الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 112 ] لا إن هزلت جارية ، أو نسي عبد صنعة ثم عاد [ ص: 113 ] أو خصاه فلم ينقص [ ص: 114 ] أو جلس على ثوب غيره في صلاة

التالي السابق


( لا ) خيار للمغصوب منه ( إن هزلت ) بفتح الهاء وضمها وكسر الزاي ، أي رقت ( جارية ) عند غاصبها ثم عادت لسمنها فليس للمغصوب منه إلا أخذها ( أو نسي عبد ) مغصوب ( صنعة ) عند الغاصب ( ثم عاد ) العبد لمعرفتها فليس لربه إلا أخذه ، وتبع المصنف في هذا ابن الحاجب وابن شاس ، وأنكر ابن عرفة معرفة ذلك في كتب المذهب قائلا لم أقف عليه لغيرهما .

" ق " ابن شاس لو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد الصنعة ثم ذكرها حصل الجبر . ابن عرفة لا أعرف في المذهب نصا في هذا إلا لابن شاس وابن الحاجب ، بل الغزالي قال في وجيزه ولو هزلت الجارية ثم سمنت أو نسي العبد الصنعة ثم تذكرها أو أبطل صنعة الإناء ثم أعاد مثله ففي حصول الجبر وجهان . ابن عرفة الأظهر أن الإناء لا ينجبر بذلك ، ومسألة الغصب عندي تجري على ما تقدم من الخلاف في المودع يتعدى على الوديعة ثم يعيدها لحالها في المثلي منها . ومقتضى قولهما أن الهزال في الجارية يوجب على الغاصب ضمانها ولم أقف عليه لغيرهما . ومفهوم قولها ومن غصب شاة فهرمت فهو فوت مع قولها في سلمها الثاني ، أن هزال الجارية لغو ، بخلاف هزال الدابة خلاف ذلك . [ ص: 113 ] أو خصاه ) أي الغاصب المغصوب ( فلم ينقص ) ثمنه فليس لربه إلا أخذه وعدم نقصه صادق ببقائه بحاله وبزيادته ومفهومه أنه إن نقص يضمن نقصه نص على المسائل الثلاث في الجواهر ، وزاد ويعاقب " غ " بهذا جزم ابن شاس وابن الحاجب ، والذي في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب العيوب . قال ابن القاسم من عدا على غلام فخصاه فزاد في ثمنه ، فإنه يقوم على قدر ما نقص منه الخصاء . ابن رشد أراد إذا لم يرد تضمينه واختار حبسه ، ومعنى قوله يقوم على قدر ما نقص منه عند غير أهل الطول من الأعراب وشبههم الذين لا رغبة لهم في الخصيان .

وقال سحنون معناه أن ينظر إلى عبد دنيء ينقص من مثله الخصاء ، فما نقص منه كان على الجاني على هذا المجني عليه ذلك الجزء من قيمته ، وقد تأول بعض الناس أن المعنى في ذلك أن ينظر إلى ما يقع من الزيادة في قيمته ، فيجعل ذلك نقصانا منها يكون عليه غرمه وذلك بعيد لا وجه له في النظر ، والذي يوجبه النظر أن يكون عليه إن خصاه فقطع أنثييه أو ذكره جميع قيمته وإن قطعهما جميعا فقيمته مرتين كما يكون عليه في الحر إذا قطع ذكره وأنثييه ديتان قياسا على قول مالك " رضي الله عنه " ، في المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة أنه يكون عليه في ذلك كله قيمة بحساب الجزء من ديته . وقال ابن عبدوس إذا زاده الخصاء فلا غرم عليه ، ولا يصح ذلك على المذهب ، وإنما يأتي على قياس قول من قال إنه لا شيء عليه في المأمومة والجائفة وشبههما مما لا نقصان فيه بعد برئه .

ابن عبد السلام كلام ابن رشد في هذا الفصل حسن ، وقول ابن عبدوس هذا هو الذي حكاه ابن الحاجب ، زاد في التوضيح تبعا لابن شاس ، ومع هذا اقتصر عليه هنا ابن القاسم في كتاب الجنايات من خصى عبدا فنقصه ذلك فعليه ما بين قيمته كجراحه ، وإن زاد فيه نظر إلى ما ينقص من أوسط صنفه فيحمل عليه ، فإن كان عشرا كان له عشر ثمنه . ابن رشد أوله بعضهم على أنه إن زاد الخصاء في ثمنه الثلث ، فعلى الجاني ثلث قيمته ، وإن زاد فيه مثل ثمنه أو أكثر غرم جميع قيمته وهو بعيد في المعنى ، وإن ساعده اللفظ ، وإنما معناه أن ينظر إلى ما ينقص منه الخصاء الذي زاد في قيمته كم كان ينقص منه لو لم يرغب [ ص: 114 ] فيه من أجل خصائه إذ لا شك في نقص الخصاء بعض منافعه فأراد في الرواية أن ينظر إلى ما نقص منه الخصاء لو لم يرغب فيه لأجل خصائه .

وقال سحنون إن زاد فيه نظر إلى عبد دنيء ينقص مثله الخصاء ، فيقال ما ينقصه أن لو أخصي فيقال خمسة فيغرم الجاني خمس قيمة العبد المجني عليه ، وفيه نظر لأنه ينقص من قيمة العبد النبيل الرائع أكثر مما ينقص من قيمة الوخش ، فما أولناه من قول مالك " رضي الله عنه " أصح . ولابن عبدوس إن لم ينقصه فلا غرم على الجاني ، والذي أقول إن لم ينقصه فعلى الجاني جميع قيمته لأن الخصاء يقطع النسل ، وفيه في الحر كمال الدية فيكون فيه في العبد كمال قيمته قياسا على موضحته ومنقلته ومأمومته ا هـ .

الحط يؤخذ مما هنا أن الخصاء ليس مثله ولو كان مثله لعتق على الغاصب ، وغرم لربه قيمته كما قال في كتاب الغصب من المدونة ، ومن تعدى على عبد رجل ففقأ عينه أو قطع له جارحة أو جارحتين فما كان من ذلك فسادا فاحشا حتى لم يبق فيه كبير منفعة فإنه يضمن قيمته ويعتق عليه وكذلك الأمة ا هـ .

( أو جلس ) شخص ( على ثوب غيره في صلاة ) وقام صاحب الثوب فانقطع فلا شيء على الجالس لأنه مما تعم به البلوى ، ولا يجد الناس من هذا بدا في الصلوات والمجالس قاله عبد الملك ومطرف ، وعليه فلا خصوصية لقوله في صلاة " غ " كذا لابن يونس عن ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون زاد ابن عرفة وأخذ من قولها ضمان موت فرس أحد المصطدمين في مال الآخر ، وحده ضمان الجالس على الثوب وحده ، وقاله بعض الموثقين من عند نفسه لا بأخذ منها ، ولا ظهر كونه منهما كمحرم حبس صيدا لمحرم فقتله عب .

وعلل المصنف عدم ضمان الجالس أيضا بأن صاحب الثوب هو المباشر لقطعه والجالس تسبب سببا ضعيفا ، والمباشر يقدم على ذي السبب الضعيف ، بخلاف السبب القوي فيضمنان معا كما سيقول والمتسبب مع المباشر كمكره ومكره ، ثم قال وهذا بخلاف من وطئ على نعل غيره فمشى صاحب النعل فانقطع فيضمن الواطئ قيمة المقطوعة وأرش نقص الأخرى فيما يظهر . [ ص: 115 ] والفرق أن الصلاة ونحوها يطلب الاجتماع فيها ، بخلاف الطرق ، ولا حق له في مزاحمة غيره ومثل وطء النعل قطع حامل حطب ثياب مار بطريق كما في المدونة وشرحها ، وظاهره ولو أنذر وينبغي عدمه معه كمذهب الشافعي " رضي الله عنه " ومثل مسألة المصنف في عدم الضمان فتح باب أسندت له جرة زيت مثلا فانكسرت فقد نفى الضمان عنه .

ابن رشد فقال لم أذكر فيه نصا لأحد ، ويجري فيه على أصولهم قولان تضمين الفاتح وعدمه وبه كنت أقضي .

ابن عرفة ونقل ابن سهل عن ابن أبي زعبل ما نصه روي عن مالك " رضي الله عنه " في رجل وضع جرة حذاء باب رجل ففتح الرجل بابه ولا علم له بالجرة ، وقد كان مباحا له وغير ممنوع أن يفتح بابه ، ويتصرف فيه فانكسرت الجرة فضمنه مالك " رضي الله عنه " ليس هو في نفس مسألة ابن رشد لأن قوله حذاء باب رجل مع قوله أخيرا أن يفتح بابه ويتصرف فيه ظاهر في أن الجرة لم توضع على خشب الباب ، بل بقربه ، ولذا قال ابن رشد لم أعرف فيها نصا ، وفرق بعض الشيوخ بين فتح الباب المعهود فتحه فلا يضمن ، وبين فتح المعهود عدم فتحه فيضمن قلت ولا يتخرج على موت الصيد من رؤية المحرم لأنه حق لله تعالى . الشعبي من أفتى بغرم ما لا يجب فقضى به غرمه ، قاله أصبغ بن خليل ا هـ .

عب اختار ابن أبي زيد الضمان في مسألة ابن رشد وهو ظاهر لأن الخطأ والعمد سواء في أموال الناس . البناني ذكر أبو الحسن مسألة ابن رشد ، وحكى فيها قولين منصوصين ، ونسبهما لابن سهل ، ثم قال وظاهر كلام ابن رشد أنه لم يقف على ما حكاه ابن سهل ، ويحتمل أنه وقف عليه ثم لم يذكره الآن ا هـ . والظاهر ما لأبي الحسن ، وأنهما سواء والله أعلم ، ويدل له ما ذكره عن ابن أبي زيد ، ونقله الوانوغي ، ونصه سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الفرق بين الذي جعل جرة على باب رجل ففتح الباب فانكسرت الجرة فيضمنها الفاتح ، وبين من بنى تنورا في داره لخبزه فاحترقت منه الدار وبيوت الجيران فلا يضمن حسبما في كتاب الدور ، وكل منهما فعل ما يجوز له فعله من فتح الباب [ ص: 116 ] وإيقاد التنور ، فقال الفرق أن فاتح الباب كان فتحه له وجنايته على الجرة في فور واحد فهو مباشر لكسرها ، والباني أول فعله جائز ولا جناية فيه ، وإنما نشأت بعد ذلك فليس بمباشر فافترقا .

الوانوغي لم يقف ابن رشد على كلام ابن أبي زيد وقد ذكره ابن سهل رواية عن مالك رضي الله تعالى عنه . ابن عرفة في حريم البئر منها من أرسل في أرضه ماء أو نارا فوصل لأرض جاره فأفسد زرعه ، فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل إليها ذلك فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقت فلا شيء عليه ، وإن لم يؤمن ذلك لقربها فهو ضامن وكذا الماء وما قتلت النار من نفس فعلى عاقلة مرسلها ، ومثله للشيخ عن ابن القاسم في المجموعة المازري من نصب شبكة لحرز غنمه من الذئب فمات فيها إنسان ضمنه معناه إذا علم أنه لا يكاد يسلم من المرور عليها آدمي ا هـ . .




الخدمات العلمية