الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 445 ] وبجزء ما سقط ، أو خرج في نفض زيتون ، أو عصره ، [ ص: 446 ] وكاحصد ، وادرس ، ولك نصفه ، وكراء أرض بطعام ، أو بما يثبته [ ص: 447 ] إلا كخشب

التالي السابق


( و ) إن استأجره على نفض زيتون أو عصره ( بجزء ) م ( ما سقط ) منه بسبب نفضه كثلثه ( أو ) بجزء مما ( خرج ) من زيته بسبب عصره . وصلة سقط ( من نفض ) بفتح النون وسكون الفاء ونقط الضاد ، أي ضرب ( زيتون ) وصلة خرج من ( عصره ) أي الزيتون فهي فاسدة للجهل بالقدر في الأولى والصفة في الثانية . فيها إن قال له انفض شجري أو حركها فما نفضت أو سقط فلك نصفه ، فلا يجوز لأنه مجهول . وإن قال اعصر زيتوني أو جلجلاني فما عصرت فلك نصفه فلا يجوز لأنه لا يدري كم يخرج ولا كيف يخرج ، وإذ لا يقدر على الترك إذا شرع وليس هكذا الجعل . ا هـ . فقد بين وجه عدم جواز عصر الزيتون بجزء ما يخرج منه . وأما وجه عدم جواز النفض والتحريك فقال الشيخ أبو الحسن عن القاضي إسماعيل لأن الشجر يختلف ، فمنه [ ص: 446 ] ما هو ناصح يقل ما يسقط منه ، ومنه ما هو بخلافه . ا هـ . فلا يصح إجارة ولا جعلا للجهل المذكور .

( تنبيهات )

الأول : ابن القصار معنى التحريك هنا النفض باليد ، وأما بالقضيب فهو كالحصد أبو الحسن هذا بعيد لأن النفض باليد غير معتاد .

الثاني : في التوضيح عقب مسألة النفض . ابن يونس لو قال انفضه كله ولك نصفه جاز ، وكلامه يوهم أنه تقييد لقول ابن القاسم ، وكلام ابن عرفة يفهم أنه لابن حبيب مخالفا لقول ابن القاسم .

الثالث : إذا وقع شيء من هذه الوجوه الفاسدة وأتم العمل فللعامل أجرة مثله وجميع الزرع لربه ، فإن اقتسما على ما قالا فما أخذه العامل حرام ، وما أخذه رب الزرع فلا يحرم عليه لأن الزرع جميعه له أفاده الحط .

وشبه في الفساد فقال : ( ك ) قوله ( احصد ) بضم الصاد وكسرها ( وادرس ) بضم الراء هذا الزرع ( ولك نصفه ) فهي إجارة فاسدة إذ لا يدري كم يخرج ولا كيف يخرج فيها إن قال احصده وادرسه ولك نصفه فلا يجوز لأنه استأجره بنصف ما يخرج من الحب ، وهو لا يدري كم يخرج ولا كيف يخرج . وعطف على احصد فقال ( و ) ك ( كراء الأرض ) لتزرع ( بطعام ) فهو فاسد للنهي عنه ، سواء أنبتته كالقمح أم لا كاللبن ( أو ) كرائها له ( بما تنبته ) من غير الطعام كقطن وكتان ، وأما كراؤها للبناء فيها بما ذكر فيجوز بالإجماع . فيها للإمام مالك " رضي الله عنه " لا يجوز كراء الأرض بشيء مما ينبت قل أو كثر ولا بطعام تنبت مثله أو لا تنبته ، ولا بما تنبته من غير الطعام من قطن أو كتان أو أصطبة وهو المشاق ، إذ قد يزرع ذلك فيها فيصير محاقلة ولا بقضب وقصب وقرط أو تبن أو علف ، ولا بلبن محلوب أو في ضروعه ، [ ص: 447 ] ولا بجبن أو عسل أو سمن أو تمر أو صبر أو ملح ولا بسائر الأشربة والأنبذة . وإذا خيف في اكترائها ببعض ما تنبت من الطعام أن يدخله طعام بمثله إلى أجل خيف في اكترائها بطعام لا تنبته أن يكون طعاما بطعام خلافه إلى أجل ، ولا تكرى بالفلفل ولا بزيت زريعة الكتان ولا بزيت الجلجلان ولا بالسمك ولا بطير الماء ولا بشاة لحم ، لأن هذا من الطعام ولا بزعفران ، لأنها تنبته ، ولا بورس وياسمين ونحوهما ولا بعصفر ( إلا كخشب ) .

فيها قال مالك " رضي الله عنه " ولا بأس بكرائها بالعود ، أراد الهندي وبالصندل والحطب والخشب والجذوع وبالعين . سحنون لأن هذه الأشياء بطول مكثها ووقتها فلذلك سهل فيها وإن كانت تنبتها الأرض . ابن عرفة لا بأس بكرائها بالماء ولا يتخرج منعها به على أنه طعام لأنه قول ابن نافع ، وهو يجيزه بالطعام غير الحنطة وجنسها : وجعل ابن الحاجب وابن شاس القصب كالجذوع وقبوله . ابن هارون لم أعرفه ، بل قولها لا يجوز كراؤها بالقصب . ا هـ . وضبطه في التوضيح بفتح المهملة ، نقل الجواز عن صاحب التلقين فيرد إنكار ابن عرفة وما ذكره عن المدونة ، فإنما هو القضب بسكون الضاد المعجمة ، كذا رأيته في نسخة مصححة ، ويدل له ذكره مع القرط والتين قاله الحط . البناني وكذا ضبطه أبو الحسن بضاد معجمة ساكنة قائلا هو المذكور في الكتاب العزيز ، وبه علم أن الصواب في القصب بالصاد المهملة جواز كرائها به كالخشب ، وأن القضب بالضاد المعجمة الساكنة لا يجوز كراؤها به كما في المدونة . ( تنبيهات )

الأول : اللخمي يجوز كراؤها بثياب القطن والكتان لأن الصنعة غيرتهما ، والله أعلم .

الثاني : ابن عرفة قول اللخمي يجوز كراؤها بالمصطكى نص في أنها غير طعام ،

الثالث : فيها من أكرى أرضه بدنانير مؤجلة وحلت فلا يأخذ بها طعاما ولا إداما وليأخذ ما يجوز أن يبتدئ كراءها به ، والله أعلم . [ ص: 448 ]

الرابع . فيها يجوز كراء الأرض بشجر بأصولها يأخذها من المكتري إن لم يكن فيها ثمر ، فإن كان فيها ثمر فلا يجوز .

الخامس : فيها يجوز بيع رقبة الأرض بشجر فيها ثمر كما تباع بطعام عاجل وآجل . وفي النوادر لا بأس بشرائها بذلك كله ما لم يكن فيها طعام ، ولا بأس أن تكري بئرا إلى جانب أرضك لتسقيها بمائها بما شئت من الطعام . ا هـ . وتقدم أن الماء غير ربوي ، وأنه يجوز بيعه بطعام إلى أجل ، وصرح به في سلمها الثالث .

السادس : إذا وقع كراؤها بما منع كراؤها به ، فإنما له كراؤها بالدراهم ، وذكر الشيخ أبو محمد أن عيسى بن مسكين وغيره من قضاة أصحابنا بأفريقية حكموا بأن يعطي له قيمة الجزء الذي يقع له من ثلث أو ربع دراهم لأنه لا تعرف لها بالمغرب قيمة كراء بالعين ولم يعتبر قيمة كرائها يوم العقد لأنه لا كراء على المكتري في الأرض إذا لم يصب شيئا فيها . ابن عرفة المتيطي بعض الموثقين أرض الأندلس عندي بخلاف ذلك الكراء فيها بالدراهم والدنانير معروف ، فيجب أن يقضى فيها بكراء المثل . وقلت وكذا الأمر عندنا في أرض تونس ، وفي قولهم فنظر إلى ما وقع له من ذلك الجزء من ثلث أو ربع دراهم نظر لأن ظاهره البناء على ما دخلا عليه من الجزء ، وهو عقد فاسد فيجب لغو ما دخلا عليه فيه ، وينظر إلى قيمتها بالجزء أن لو جاز فيها ثم ينظر إلى قيمة ذلك الجزء . ا هـ . الحط وما قاله ظاهر لا شك فيه ، فلا يعدل عنه والله أعلم .

السابع : شدد سحنون فقال من أكراها بما يخرج منها فذلك جرحة فيه ، وتأوله أبو محمد على من كان عالما أنه لا يجوز وهو مذهبه ، أو قلد من مذهبه المنع . سحنون ولا يؤكل طعامه ولا يشترى منه ذلك الطعام الذي أخذه من كرائها ، وتأوله ابن رشد على أنه من الورع . وفي الجواهر كره مالك رضي الله تعالى عنه شراء طعام من مكتري الأرض بالحنطة ، ومذهبه أن الطعام كله لمكتري الأرض ، وعليه كراؤها عينا . الحط هذا إن لم يتب ويصلح ما وقع له على الوجه الشرعي ، وأما لو فعل ذلك فلا يظهر للتوقف [ ص: 449 ] حينئذ وجه ، وذكر الشيخ أبو الحسن أنه يقوم من مسألة الأخذ بالشفعة ممن اشترى بدراهم مغصوبة جواز شراء ما يحصل بالمعاملة الفاسدة قبل أن يصلحا شأنهما ، قال فعلى هذا يجوز شراء الطعام من مكتري الأرض بالطعام قبل أن يصلح شأنه مع ربها ، فالكلام الأول على التنزه وهو الأولى والله أعلم .




الخدمات العلمية