الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأخرت لا دين لحمل ، وفي الوصية : قولان

التالي السابق


( وأخرت ) بضم الهمز وكسر الخاء المعجمة قسمة التركة على الورثة الذين أحدهم حمل ( لا ) يؤخر ( دين ) أي دفعه من التركة لمستحقه ، وصلة أخرت ( ل ) وضع ( حمل ) وارث ( وفي ) تأخير إخراج ( الوصية ) أي المال الذي أوصى به الميت لوضع الحمل وتعجيله ( قولان ) لم يطلع المصنف على أرجحية أحدهما . [ ص: 312 ] ق " ابن رشد من مات وترك امرأة حملها وارثه يجب أن لا يعجل قسم تركته حتى تسأل ، فإن قالت إنها حامل وقفت التركة حتى تضع أو يظهر عدم حملها بانقضاء عدة الوفاة ولم يظهر حملها ، وإن قالت لا أدري أخر القسم حتى يتبين أن لا حمل بها بحيضة أو بمضي أمد العدة ولا ريبة حمل بها إن كان له ولد فقالت زوجته عجلوا لي ثمني لتحققه لي لم يكن لها ذلك . وأما الدين فيؤدى ولا ينتظر به الوضع . الباجي هذا هو الصحيح خلافا لابن أيمن ، وأما الوصية فسمع ابن القاسم لا تنفذ حتى تلد ، ورواه ابن أبي أويس وقاله ابن مسلمة قال لأن ما يهلك من رأس المال وما يزيد منه ، أراد فيكون الموصى له استوفى وصيته على غير ما يرثه الورثة . وروى ابن نافع تنفذ الوصية ويؤخر قسم الإرث حتى تلد ، وقاله أشهب فانظر لم لم يجعل سماع ابن القاسم هو المشهور ، وقد رواه ابن أبي أويس ، وقاله ابن مسلمة .

" غ " أشار لقول ابن رشد قف على هذه الثلاث مسائل : الدين يؤدى باتفاق ولا ينتظر به وضع الحمل والتركة لا يقسمها الورثة باتفاق حتى يوضع الحمل والوصايا اختلف فيها هل يعجل إنفاذها قبل وضع الحمل أو لا يعجل حتى يوضع الحمل ؟ قال لم أعرف في الدين خلافا إلا ما ذكر فيه عن بعض الشيوخ من الغلط الذي لا يعد من الخلاف . وقد قال الباجي شهدت ابن أيمن حكم في ميت عن امرأته حاملا أنه لا يقسم ميراثه ولا يؤدى دينه حتى يوضع الحمل ، فأنكرت عليه فقال هذا مذهبنا ، ولم يأت بحجة والصحيح أن يؤدى دينه ولا ينتظر به وضع الحمل ولا يدخله اختلاف قول مالك " رضي الله عنه " في توقيف الوصية إلى وضع الحمل على قول من رأى ذلك لعلة هي أن بقية التركة قد تتلف في حال التنفيذ قبل وضع الحمل ، فيجب للورثة الرجوع على الموصى لهم بثلثي ما قبضوا ، ولعلهم معدمون أو غير معينين ، فلا يجدون من يرجعون عليه .

وأما تأخير الدين حتى يوضع الحمل فلا علة توجبه ، بل يجب تعجيل أدائه خوفا من هلاك المال فيبطل حق صاحب الدين من غير منفعة فيه للورثة وإذا وجب قضاء دين الغائب [ ص: 313 ] بما وجد له من المال مع بقاء ذمته إن تلف الموجود له ، فأحرى أن يؤدى الدين عن الميت من تركته لوجهين ، أحدهما : أن الميت قد انقضت ذمته ، والثاني : أن الحمل لا يجب له في التركة حق حتى يولد حيا ويستهل صارخا ، ولو مات قبل ذلك لم يورث عنه نصيبه ، والغائب حقه واجب في المال الموجود ، ولو مات ورث عنه ، فإذا لم ينتظر الغائب مع وجوب المال الذي يؤدى منه الدين الآن له كان أحرى أن لا ينتظر الحمل الذي لم يجب له في التركة حق ، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من أثبت حقا على صغير قضي له به ولم يجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك ، فإذا قضي على الصغير بعد وضعه من غير أن يقام له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل بتأدية دين الميت ، وهذا كله بين لا ارتياب فيه ولا إشكال ، وقد نقله ابن عرفة إلى قوله من غير وجه منفعة في ذلك للورثة ثم تعقبه ، فقال في تغليطه ابن أيمن وقوله لا حجة له نظر ، بل هو الأظهر ، وبه العمل عندنا ودليله من وجهين .

الأول : أن الدين لا يجوز قضاؤه بحكم قاض به ، وحكمه متوقف على ثبوت موت المدين وعدد ورثته ولا يتصور عدد ورثته إلا بوضع الحمل ، فالحكم متوقف عليه ، وقضاء الدين متوقف على الحكم ، والمتوقف على المتوقف على أمر متوقف على ذلك .

الأمر الثاني : أن حكم الحاكم بالدين متوقف على الإعذار لكل الورثة والحمل منهم ، ولا يتقرر الإعذار في جهته إلا بوصي أو مقدم ، وكلاهما يستحيل قبل وضعه فتأمله . ا هـ . الحط ما استدل به لابن أيمن مبني على أنه لا يكفي في الحكم بالقضاء ثبوت عدد الورثة الموجودين والحمل ، وأنه لا يكون للحمل وصي ولا ولي وابن رشد لا يسلمه ، وهو الظاهر ، وقد صرح في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الدعوى والصلح بأن للناظر على الحمل أن يصالح الزوجة على ميراثها إذا لم يكن فيه غرر كأن يترك زوجة حاملا وبنين ونصه ، ولا خلاف عندي في أن للناظر على الحمل أن يجيز الصلح عليه ، ويمضيه [ ص: 314 ] إذا رآه نظرا له ولم يكن فيه غرر ، ولا فساد لعلم الزوجة بنصيبها ولا في أن للناظر للحمل أن يصالح الزوجة عنه قبل وضعه إذا كان نصيبها معلوما ، وذكر في رسم العتق الثاني من سماع أشهب أن الورثة إذا عزلوا للحمل ميراث ذكر ، وقسموا بقية التركة فلا رجوع لهم فيما عزلوه للحمل إن نقص ما بأيديهم أو هلك ، وإن تلف ما وقفوه له يرجع عليهما إن وجدهم أملياء ، وإن أعدم بعضهم يرجع على الأملياء فيقاسمهم فيما بأيديهم ، فإن نما بأيديهم فله الرجوع لأن قسمهم لم يجز عليه ، ولو نما ما وقفوه له فلا يكون لهم قول فيه لأنهم قد رضوا بما أخذوا فالقسمة لزمتهم ، ولا تلزمه ولو كان للحمل ناظر قسم عليه لجازت القسمة لهم ، وعليهم ثم قال فيمن ترك زوجته حاملا وأبويه الواجب وقف الميراث حتى تضع ، فإن جعلوا الحمل ذكرا وعزلوا له ميراثه واقتسموا ما بقي كانت على ما تقدم في التي قبلها . ا هـ .




الخدمات العلمية