الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يجمع بين عاصبين ، إلا برضاهم ، [ ص: 285 ] إلا مع ، كزوجة ; فيجمعون أولا : كذي سهم ، وورثة .

التالي السابق


( و ) إذا قسمت تركة بين عصبة فقط ف ( لا يجمع ) القاسم في القسم ( بين ) نصيبي ( عاصبين ) أو أكثر في كل حال ( إلا برضاهم ) أي الورثة ، ولذا جمع الضمير " ق " سمع ابن القاسم لا يجمع حظ اثنين في القسم . ابن رشد هو قوله فيها ، ومعناه إن لم يكونوا أهل سهم واحد . اللخمي يجوز أن يجمع نصيبين في القسمة بالتراضي ، ومنع ذلك ابن القاسم في القرعة ، وسمع القرينان الإخوة للأم يرثون الثلث فيقول أحدهم اقسموا حصتي على حدة ، فلا يجاب لذلك ، ويقسم له ولإخوته جميعا الثلث ثم يقاسم بعد إن شاء . ابن رشد لا خلاف في ذلك في أهل السهم الواحد كالبنات والزوجات ونحوهم . وأما العصبة [ ص: 285 ] فقال ابن القاسم لهم أن يجمعوا نصيبهم إن أرادوا ذلك عددا ( إلا ) أن تكون العصبة ( مع ) ذي فرض ( كزوجة ) وبنت وأخت وأم وأخ لأم ( فيجمعون ) بضم التحتية أي العصبة ( أولا ) بشد الواو منونا ويسهم بينهم وبين ذي الفرض ثم يقتسمون ثانيا إن شاءوا فيها لا يجمع حظ رجلين في القسم إلا إن ترك زوجة وولدا عددا أو عصبة غير ولد فيسهم للزوجة على أحد الطرفين ، ويكون الباقي للولد أو العصبة . وشبه في جواز الجمع فقال ( كذي ) أي صاحب ( سهم ) أي نصيب كنصف من نحو دار وباقيها لشريكه ومات عن سهمه ( و ) عن ( ورثة ) فتجمع الورثة ويسهم بينهم وبين شريك مورثهم ثم يقتسمون ثانيا إن شاءوا .

( تنبيهان ) . الأول : طفي تفسير ضمير رضاهم بالورثة تتبع فيه الشارح ، وهو غير صواب ، لأنهما عزوا ما قاله المصنف لابن القاسم في المدونة ، وهو لم يشترط رضا جميع الورثة ، بل العصبة فقط . ابن رشد اختلف في جمع العصبة على ثلاثة أقوال ، أحدها أنهم كأهل السهم الواحد يقسم لهم حقهم معا ثم يقتسمون بعد إن شاءوا ، وهو سماع أشهب وابن نافع ، وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة .

والثاني : أنهم ليسوا كأهل سهم واحد فلا يجمع حظهم في القسمة بالسهم ، وإن رضوا وأراه قول المغيرة . والثالث : لا يجمع حظهم في القسمة بالسهم إلا أن يريدوا أن لا يقتسموا ، وإلى هذا ذهب ابن القاسم في المدونة لأنه فسر قول مالك فيها فيمن ترك زوجة وعصبة وترك أرضا أن المرأة يضرب لها بحقها في أحد الطرفين فقال معناه عندي إن كان العصبة واحدا أو عددا لا يريدون القسمة . ا هـ . وقد نقل في توضيحه كلام ابن رشد ، فإياه أراد فأرجع الضمير في رضاهم للعصبة ، وبه قرره الشارح في وسطه . وفي شامله وفي جمع العصبة ثالثها فيها إن رضوا . وفي تبصرة اللخمي إذا كان الولد عددا مع الزوجة ، فقال الإمام [ ص: 286 ] مالك رضي الله تعالى عنه مرة هم كأهل سهم واحد يقسم أثمانا ، فما صار للزوجة أخذته ، وما صار للولد استأنفوا قسمه إن كان ينقسم ، وإلا باعوه ، وفيها أيضا لكل واحد سهم فيقسم على أقلهم . ورأى ابن القاسم أنهم ليسوا كأهل سهم فيقسم على واحد إن تراضوا على أن يجمعوا ويضرب سهم واحد للاختلاف في ذلك . ا هـ . فلم يكن في قول من الأقوال الثلاثة اشتراط رضا جميع الورثة ، وبما تقدم تعلم أن الصواب إسقاط إلا من قوله إلا مع كزوجة . ا هـ .

الثاني : طفي قول تت مع ذي فرض وهو الأجنبي تقييده يوهم الاختصاص ، وليس كذلك ، بل جميع ذوي الفروض سواء في هذا كما يعلم من كلام ابن رشد المتقدم ، وقد قال الشيخ عبد الرحمن الأجهوري في حاشيته الذي في أبي الحسن وابن رشد أنهم إذا رضوا بالجمع جمع بينه في مسألة الزوجة ونحوها كالأم والجدة . ا هـ . وهو مراد المصنف ، ولذا أتى بالكاف في قوله كزوجة وكأن تت غره قول التوضيح تبعا لابن عبد السلام ، واستثنى ابن القاسم مسألة الزوجة من عموم المسألة . ا هـ . ففهم اختصاص الحكم بها ، وفيما قالاه نظر ، بل لم يستثن ابن القاسم مسألة الزوجة فقط . ففي التنبيهات لعياض اختلف في قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا يجمع بين نصيب اثنين في القسم ، وإن أراد فابن القاسم رحمه الله تعالى تأوله أنه لا يجمع جملة سهم اثنين اتفقا أو اختلفا رضيا أو كرها جمعهم أو فرقهم إلا العصبة إذا رضوا بذلك ، وغيره رأى جمع أهل كل سهم في سهم واحد ، ويضرب لهم به شاءوا ذلك أم كرهوه ، ثم هم بعد بالخيار بين أن يبقوا شركاء في سهم أو يستأنفوا القسمة فيما بينهم . ا هـ . وقال قبل هذا قالوا وتأويل ابن القاسم هذا على مالك رضي الله تعالى عنه خلاف وقول مالك رضي الله تعالى عنه ، ومراده ولم يرد مالك رضي الله تعالى عنه لا يجمع الأنصباء في واحد في جميع الأقسام بالقرعة ، وإنما هذا فيما هم فيه سواء في السهام ، فإذا اختلفت أنصباؤهم فكان لقوم منهم الثلث ولآخرين منهم السدس ، ولآخرين منهم النصف ، فإنه [ ص: 287 ] يجمع أهل كل سهم بالقرعة عليه ، وإن كرهوا ذلك ، كذا فسره عن مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية في سماع ابن نافع وأشهب . وفي كتاب ابن حبيب عن عبد الملك ومطرف وأصبغ قالوا وهو قول مالك وجميع أصحابه رضي الله تعالى عنهم . ا هـ .

ونص العتبية الذي أشار إليه أشهب وسألته عن الإخوة لأم يرثون الثلث فيقول أحدهم اقسموا إلي حصتي على حدة ولا تضموني لإخوتي ، فقال ليس ذلك له حتى يقسم له ، ولإخوته جميعا الثلث ثم يقاسمهم بعد إن شاء ، وكذلك أزواج الميت يرثن الربع أو الثمن ، وكذلك العصبة الإخوة وغيرهم يقول بعضهم اقسموا إلي حصتي ليس ذلك لهم ، وقد علمت أنه خلاف مذهب ابن القاسم ، ولذا قال في المدونة ولا يجمع حظ رجلين في القسم ، وإن أراد ذلك الباقون في مثل هذا يعني الزوجة مع العصبة ، ويفهم من قوله في مثل هذا عدم اختصاص الحكم بالزوجة كما علمت والمصنف رحمه الله تعالى جار على مذهب المدونة ، وحام حول كلامها ، وأراد تأدية ذلك فلم تساعده العبارة ، ولذا قلنا تبعا لبعضهم الصواب إسقاط إلا ، أو يقول ولا يجمع بين رجلين إلا العصبة مع كزوجة والكمال لله تعالى . البناني جمع ذي السهم الواحد كالزوجات في القسم وإن لم يرضوه هو الذي حكى عليه ابن رشد الاتفاق ، ونصه أما أهل السهم الواحد وهم الزوجات والبنات والأخوات والجدات والإخوة لأم والموصى لهم بنحو الثلث ، فلا خلاف أحفظه أنهم يجمع حظهم في القسمة بالسوية شاءوا أو أبوا ; لأنهم بمنزلة الواحد . ا هـ .

لكنه خلاف ما فسر به ابن القاسم في المدونة قول مالك رضي الله تعالى عنه فيها ، ولا يجمع حظ رجلين في القسم ، وإن أراد ذلك الباقون إلا في مثل هذا ، أي العصبة مع أهل السهم ، قال في التنبيهات إلخ نصها المتقدم ثم قال نقله أبو الحسن ، وهذا للثاني هو الذي حكى عليه ابن رشد الاتفاق ، وهو وإن انتقده ابن عرفة بما ذكر عياض من الخلاف ، لكن لا يخفى رجحانه من كلام عياض ، ولذا قرر به " غ " وغيره ، فاعتراض طفي عليه بأنه خلاف المدونة غير ظاهر كيف وهو معنى قول مالك فيها عند الجماعة .




الخدمات العلمية