الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3434 134 - حدثني عبد الرحمن بن شيبة، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة، عن أبيه، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت الناس مجتمعين في صعيد، فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غربا، فلم أر عبقريا في الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن، وقال همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فنزع أبو بكر ذنوبين

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر عما رآه في المنام في أمر خلافة الشيخين، وقد وقع مثل ما قال على ما نذكره، ورؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق بلا خلاف.

                                                                                                                                                                                  وعبد الرحمن بن شيبة هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة أبو بكر الخوارزمي القرشي مولاهم المدني، وهو من أفراده. وعبد الرحمن بن المغيرة بضم الميم وكسر الغين المعجمة ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد أبو القاسم الحزامي المديني، يروي عن أبيه [ ص: 159 ] المغيرة بن عبد الرحمن، وهو يروي عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني الإمام، وهو يروي عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في التعبير عن أحمد بن يونس، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أحمد بن يونس به، وأخرجه الترمذي في الرؤيا عن محمد بن بشار، وأخرجه النسائي فيه عن يوسف بن سعيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " في صعيد " هو في اللغة وجه الأرض. قوله: " ذنوبا " بفتح الذال المعجمة وهو الدلو الممتلئ ماء، وقال ابن فارس: هو الدلو العظيم. قوله: " أو ذنوبين " شك من الراوي. قوله: " وفي بعض نزعه " أي: في استقائه. قوله: " ضعف " بفتح الضاد المعجمة وضمها لغتان، وليس فيه حط من فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وإنما هو إخبار عن حال ولايته؛ فإنه اشتغل بقتال أهل الردة، فلم يتفرغ لفتح الأمصار وجباية الأموال، ولقصر مدته؛ فإنها سنتان وثلاثة أشهر وعشرون يوما، وكذلك قوله: " والله يغفر له " ليس فيه تنقيص له ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة يدعمون بها كلامهم ونعمت الدعامة. قوله: " ثم أخذها " أي: الذنوب. وقال الداودي: أي: فأخذ الخلافة.

                                                                                                                                                                                  قلت: لفظ الخلافة غير مذكور، وإنما الذنوب التي استحالت غربا كناية عن خلافة عمر رضي الله تعالى عنه. قوله: " فاستحالت بيده غربا " أي: تحولت من الصغر إلى الكبر، والغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء الدلو العظيم يسقى به البعير، فهي أكبر من الذنوب وهذه الحالة إنما حصله له لطول أيامه، وما فتح الله له من البلاد والأموال والغنائم في عهده، وأنه مصر الأمصار ودون الدواوين، وقال النووي: هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو صاحب الأمر، فقام به أكمل قيام وقرر القواعد، ثم خلفه أبو بكر رضي الله تعالى عنه سنتين فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه فقد شبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي به حياتهم وصلاحهم، وسقيهما قيامهما بمصالحهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عبقريا " بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، والعبقري هو الحاذق في عمله، وهذا عبقري قومه أي: سيدهم، وقيل: أصل هذا من عبقر وهي أرض يسكنها الجن فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء غريب في جودة صنعته وكمال رفعته، وقيل: عبقر قرية يعمل فيها الثياب الحسنة فينسب إليها كل شيء جيد، وقال الخطابي: العبقري كل شيء يبلغ النهاية في الخير والشر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يفري فريه " يفري بكسر الراء، وفريه بفتح الفاء وسكون الراء وتخفيف الياء آخر الحروف، ويروى فريه بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد الياء؛ أي: يعمل عملا مصلحا ويقطع قطعة مجيدا، يقال: فلان يفري فريه إذا كان يأتي بالعجب في عمله. وقال الخليل: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه مخففة الياء، ومن شدد أخطأ. يقال: معناه ما كل أحد يفري على عمله. قوله: " حتى ضرب الناس بعطن " والعطن مبرك الإبل حول موردها لتشرب عللا بعد نهل وتستريح منه. وقال القاضي: ظاهر لفظ حتى ضرب الناس أنه عائد إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وقيل: يعود إلى خلافتهما؛ لأن بتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر؛ لأن أبا بكر جمع شملهم وابتدأ الفتوح وتكامل في زمن عمر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وقال همام " أي: همام بن منبه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ذنوبين يعني من غير شك، وهذا تعليق وصله البخاري في التعبير من هذا الوجه من غيره.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية