الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3614 312 - حدثني محمد بن أبي بكر، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى، حدثنا سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي، فقدمت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 286 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 286 ] مطابقته للترجمة ظاهرة لأن فيه حديث زيد المذكور، ومحمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري، يروي عن فضيل بن سليمان النميري البصري، يروي عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الذبائح عن معلى بن أسد، وأخرجه النسائي في المناقب عن أحمد بن سليمان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بلدح " بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الدال المهملة وفي آخره حاء مهملة، قال البكري: هو موضع في ديار بني فزارة، وهو واد في طريق التنعيم إلى مكة. قوله: " فقدمت " على صيغة المجهول. قوله: " سفرة " قال ابن الأثير: السفرة طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستدير، فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة راوية، وغير ذلك من الأسماء المنقولة. قوله: " فأبى " أي: أبى زيد أي امتنع أن يأكل منها، وقال ابن بطال: كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا: إنا لا نأكل كل ما ذبح على أنصابكم، انتهى. والأنصاب جمع النصب، قال الكرماني: وهو ما نصب فعبد من دون الله عز وجل، (قلت): هي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام، وقال الكرماني: هل أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها (قلت): جعله في سفرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على أنه كان يأكله، وكم شيء يوضع في سفرة المسافر مما لا يأكله هو بل يأكل من معه، وإنما لم ينه الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - من معه عن أكله لأنه لم يوح إليه إذ ذاك، ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريما وتحليلا حينئذ، انتهى. (قلت): لو اطلع الكرماني على كلام القوم لما احتاج إلى هذا السؤال والجواب، وقد ذكرنا الآن عن ابن بطال ما يغني عن ذلك، وقوله أيضا في سفرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير صحيح لأن السفرة كانت لقريش كما مر الآن، وقال السهيلي: إن قلت: كيف وفق زيد إلى ترك أكل ذلك وسيدنا أولى بالفضيلة في الجاهلية لما ثبت من عصمته؟ (قلت): عنه جوابان (أحدهما): أنه ليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها، وإنما فيه أن زيدا لما قدمت إليه أبى، (ثانيهما) أن زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم، وإنما تقدم شرع إبراهيم عليه السلام بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام، وقال الخطابي: امتناع زيد من أكل ما في السفرة إنما هو من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيها مما ذبح على الأنصاب، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضا لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم، فأما ذبائحهم لمأكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه عنها، وقد كان بين ظهرانيهم مقيما، ولم يذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة لأن قريشا كانوا يتنزهون أيضا في الجاهلية عن الميتة مع أنه أباح الله لنا طعام أهل الكتاب، والنصارى يذبحون ويشركون في ذلك الله تعالى. قوله: " وإن كان زيد بن عمرو " هو موصول بالإسناد المذكور. قوله: " كان يعيب " بفتح الياء. قوله: " إنكارا " نصب على التعليل، " وإعظاما " عطف عليه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية