الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3339 39 - حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني معن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي خمسة أسماء أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ومعن، بفتح الميم وسكون العين المهملة، وفي آخره نون ابن عيسى القزاز مر في الوضوء، والحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير، عن أبي اليمان، عن شعيب. وأخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، عن زهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمرو، عن حرملة بن يحيى، وعن عبد الملك بن شعيب، وعن عبد بن حميد. وأخرجه الترمذي في الاستئذان، عن سعيد بن عبد الرحمن، وفي الشمائل عن غير واحد. وأخرجه النسائي في التفسير، عن علي بن شعيب البغدادي، عن معن بن عيسى به. قوله: " عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه. كذا وقع موصولا عند معن بن عيسى عن مالك. وقال الأكثرون: عن مالك، عن الزهري، عن محمد بن جبير مرسلا، ووافق معنا على وصله عن مالك جويرية بن أسماء عند الإسماعيلي، ومحمد بن المبارك، وعبد الله بن نافع عند أبي عوانة. وأخرجه الدارقطني في الغرائب عن آخرين عن مالك. وقال: إن أكثر أصحاب مالك أرسلوه. ورواه مسلم موصولا من رواية يونس بن يزيد، وعقيل، ومعمر، ورواه البخاري أيضا موصولا في التفسير من رواية شعبة، ورواه الترمذي أيضا موصولا من رواية ابن عيينة، كلهم عن الزهري. قوله: " لي خمسة أسماء "، فيه سؤالان: الأول: أنه قصر أسماءه على خمسة، وأسماؤه أكثر من ذلك، وقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي عن بعضهم: إن لله تعالى ألف اسم، وكذا للرسول، والثاني: أن قوله: الماحي ونحوه صفة لا اسم. الجواب عن الأول أن مفهوم العدد لا اعتبار له فلا ينفي الزيادة، وقيل: إنما اقتصر عليها؛ لأنها موجودة في الكتب القديمة، ومعلومة للأمم السالفة، وزعم بعضهم أن العدد ليس من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما ذكره الراوي بالمعنى، ورد عليه لتصريحه في الحديث بذلك، وقيل: معناه: ولي خمسة أسماء لم يسم بها أحد قبلي، وقيل: معناه أن معظم أسمائي خمسة. والجواب عن الثاني أن الصفة قد يطلق عليها الاسم كثيرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أنا محمد "، هذا هو الأول من الخمسة. وقال السهيلي في الروض: لا يعرف في العرب من تسمى محمدا قبل النبي عليه الصلاة والسلام إلا ثلاثة: محمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن أحيحة بن الجلاح، ومحمد بن حمران بن ربيعة، وقد رد عليه، ومنهم من عد ستة، ثم قال: ولا سابع لهم، ثم عدهم فذكر منهم هؤلاء الثلاثة، وزاد عليهم: محمد بن خزاعي السلمي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ورد عليه أيضا بجماعة تسموا بمحمد: وهم محمد بن عدي بن ربيعة السعدي روى حديثه البغوي، وابن سعد، وابن شاهين، وغيرهم، ومحمد بن اليحمد الأزدي، ذكره المفجع البصري في كتاب المنقذ، ومحمد بن خولي الهمداني ذكره ابن دريد، ومحمد بن حرماز، ذكره أبو موسى في الزيل، ومحمد بن عمرو بن مغفل، بضم الميم، وسكون الغين المعجمة، وكسر الفاء، وباللام، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفقيمي، ومحمد بن يزيد بن ربيعة، ومحمد بن أسامة، ومحمد بن عثمان، ومحمد بن عتوارة الليثي. قوله: " وأنا أحمد، هذا هو الثاني من الخمسة.

                                                                                                                                                                                  ويروى: وأنا محمد وأحمد بغير لفظة: وأنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأنا الماحي " هذا هو الثالث من الخمسة. قيل: أراد بقوله: الذي يمحو الله بي الكفر من جزيرة العرب. وقال الكرماني: محو الكفر إما من بلاد العرب، ونحوها، وفيه نظر؛ لأنه وقع في رواية عقيل ومعمر: يمحو الله بي الكفرة. وفي رواية نافع بن جهير: وأنا الماحي، فإن الله يمحو به سيئات من اتبعه. قلت: قوله: هذا عام يتناول كفر كل أحد في كل أرض.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأنا الحاشر "، هذا هو الرابع من الخمسة، وقد فسره بقوله: الذي يحشر الناس على قدمي، أي: على أثري، أي: أنه يحشر قبل [ ص: 97 ] الناس، ويوافق هذا لقوله في الرواية الأخرى: يحشر الناس على عقبي، ويقال: معناه: على زماني ووقت قيامي على القدم بظهور علامات الحشر، ويقال: معناه: لا نبي بعدي. قوله: " قدمي "، ضبطوه بتخفيف الياء وتشديدها مفردا ومثنى. قوله: " وأنا العاقب "، هذا هو الخامس، وزاد يونس بن يزيد في روايته عن الزهري: الذي ليس بعده أحد، وقد سماه الله رؤوفا رحيما. وقال البيهقي في الدلائل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وقد سماه الله "، إلى آخره. مدرج من قول الزهري، وفي دلائل البيهقي العاقب، يعني: الخاتم، وفي لفظ: الماحي والخاتم، وفي لفظ: فأنا حاشر فبعثت مع الساعة نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد. وعند مسلم في حديث أبي موسى الأشعري، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، وعن أبي صالح قال صلى الله تعالى عليه وسلم: إنما أنا رحمة مهداة. وقال أبو زكريا العنبري: لنبينا محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - خمسة أسماء في القرآن العظيم: قال الله عز وجل: محمد رسول الله. وقال: ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. وقال: وإنه لما قام عبد الله، يعني: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الجن. وقال: طه. وقال: يس، يعني: يا إنسان، والإنسان هنا العاقل، وهو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. وقال البيهقي: وزاد عبدة: وسماه في القرآن رسولا نبيا أميا، وسماه: شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. وسماه مذكرا ورحمة، وجعله 6 نعمة، وهاديا. وعن كعب قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: عبدي المتوكل المختار، وعن حذيفة بسند صحيح يرفعه: أنا المقفى ونبي الرحمة. وعن مجاهد قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الرحمة، أنا رسول الله الملحمة بعثت بالحصاد، ولم أبعث بالزراع . وفي كتاب الشفاء: وأنا رسول الراحة، ورسول الملاحم، وأنا قثم، والقثم الجامع الكامل، وفي القرآن: المزمل، والمدثر، والنور، والمنذر، والبشير، والشاهد، والشهيد، والحق، والمبين، والأمين، وقدم الصدق، ونعمة الله، والعروة الوثقى، والصراط المستقيم، والنجم الثاقب، والكريم، وداعي الله، والمصطفى، والمجتبى، والحبيب، ورسول رب العالمين، والشفيع، والمشفع، والمتقي، والمصلح، والظاهر، والصادق، والمصدوق، والهادي، وسيد ولد آدم، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وحبيب الله، وخليل الرحمن، وصاحب الحوض المورود والشفاعة والمقام المحمود، وصاحب الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وصاحب التاج والمعراج واللواء والقضيب، وراكب البراق والناقة والنجيب، وصاحب الحجة والسلطان والعلامة والبرهان، وصاحب الهراوة والنعلين، والمختار، ومقيم السنة، والمقدس، وروح القدس، وروح الحق، وهو معنى البارقليط في الإنجيل.

                                                                                                                                                                                  وقال ثعلب: البارقليط الذي يفرق بين الحق والباطل، وماذماذ معناه طيب طيب، والبرقليطس بالرومية. وقال ثعلب: الخاتم الذي ختم الأنبياء، والخاتم أحسن الأنبياء خلقا، وخلقا، ويسمى بالسريانية مشفح، والمنحمنا، وفي التوراة: آحيد، ذكره ابن دحية بمد الألف، وكسر الحاء، ومعناه آحيد أمتي عن النار، وقيل: معناه الواحد. وقال عياض: ومعناه صاحب القضيب، أي: السيف، وفي الدر المنظم للعرقي من أسمائه المصدق المسلم الإمام المهاجر العامل أذن خير، الآمر الناهي المحلل المحرم الواضع الرافع المجير. وقال ابن دحية: أسماؤه وصفاته إذا بحث عنها تزيد على الثلاثمائة، وقد ذكرنا عن ابن العربي أن أسماءه بلغت ألفا كأسماء الله تعالى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية