الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وإن قال : إن كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان ولم نحنثه ببعض المحلوف فكلمت كل واحدة واحدا فقيل : تطلقان ، وقيل : حتى [ ص: 446 ] يكلما كلا منهما ( م 16 ) كقوله : إن كلمتما زيدا أو كلمتما عمرا .

                                                                                                          [ ص: 446 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 446 ] مسألة 16 ) قوله وإن قال : إن كلمتما زيدا أو عمرا فأنتما طالقتان ولم نحنثه ببعض المحلوف عليه فكلمت كل واحدة واحدا ، فقيل : تطلقان ، وقيل : حتى يكلما كلا منهما ، انتهى . وأطلقهما في المغني .

                                                                                                          ( أحدهما ) تطلقان ، وهو الصحيح ، وعليه جمهور الأصحاب ، وقطع به في الوجيز وغيره ، وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع والمحرر وتذكرة ابن عبدوس والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم ، قال في تجريد العناية : طلقتا في الأظهر .

                                                                                                          ( والقول الثاني ) لا يحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما ، وهو تخريج لأبي الخطاب ، واحتمال في المقنع ، قال الشارح : وهو أولى ، قال ابن عبدوس في تذكرته : الأقوى لا يقع ( قلت ) : وهو الصواب ، وهو ظاهر كلام ابن رجب في القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة .

                                                                                                          ( تنبيهات ) :

                                                                                                          ( الأول ) كان الأولى للمصنف أن يقدم الأول ، لأن معظم الأصحاب عليه ، أو كان يحكي اختيارهم فيقول : اختاره الأكثر ، كما هو عادته ، والله أعلم .

                                                                                                          ( الثاني ) هذه المسألة من جملة قاعدة ، وهي إذا وجدنا جملة ، ذات أعداد موزعة على جملة أخرى فهل يتوزع أفراد الجملة الموزعة على أفراد الأخرى أو كل فرد منها على مجموع الجملة الأخرى ؟ وهي على قسمين :

                                                                                                          ( الأول ) أن توجد قرينة تدل على تعيين أحد الأمرين ، فلا خلاف في ذلك ، فمثال ما دلت القرينة فيه على توزيع الجملة على الجملة الأخرى فيقابل كل فرد كامل بفرد يقابله ، إما لجريان العرف أو دلالة الشرع على ذلك وإما لاستحالة ما سواه أن يقول لزوجتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقتان ، فإذا أكلت كل واحدة منهما [ ص: 447 ] رغيفا طلقت لاستحالة أكل واحدة منهما الرغيفين . أو يقول لعبديه إن ركبتما دابتيكما أو لبستما ثوبيكما أو تقلدتما سيفيكما أو دخلتما بزوجتيكما فأنتما حران ، فمتى وجد من كل واحد ركوب دابته أو لبس ثوبه أو تقلد سيفه أو دخل بزوجته ترتب عليه العتق ، لأن الانفراد بهذا عرفي ، وفي بعضه شرعي ، فيتعين صرفه إلى توزيع الجملة على الجملة ، ذكره الشيخ في المغني وغيره ، ومثال ما دلت القرينة فيه على توزيع كل فرد من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى أن يقول لزوجتيه : إن كلمتما زيدا أو عمرا فأنتما طالقتان ، فلا تطلقان حتى تكلم كل واحدة منهما زيدا وعمرا .

                                                                                                          ( القسم الثاني ) أن لا يدل دليل على إرادة أحد التوزيعين ، فهل يحمل التوزيع عند هذا الإطلاق على الأول أو الثاني ؟ في المسألة خلاف ، والأشهر أنه يوزع كل فرد من أفراد الجملة على جميع أفراد الجملة الأخرى إذا أمكن ، وصرح به القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب في مسألة الظهار من نسائه بكلمة واحدة ، ذكر ذلك ابن رجب في القاعدة الثالثة عشرة بعد المائة .

                                                                                                          ( الثالث ) قوله : وإن قال إن خالفت أمري فأنت طالق ثم نهاها فخالفته ولا نية لم يحنث ، وقيل : بلى ، وقيل إن عرف حقيقة الأمر والنهي ، انتهى . صواب القول الثالث : وقيل يحنث إن جهل حقيقة الأمر والنهي ، لا أنه يحنث [ ص: 448 ] إن عرف ذلك ، كما في الرعاية وغيرها ، وهذا القول قوي جدا ، قال في القواعد الأصولية : ولعل هذا القول أقرب إلى الفقه والتحقيق .




                                                                                                          الخدمات العلمية