الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في بعض مناقب عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في مولده

                                                                                                                                                                                                                              تقدم أنه ولد بأرض الحبشة وهو أول مولود بها للمسلمين ، وقدم مع أبيه -رضي الله تعالى عنهما- المدينة ، وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في بيعته رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى البغوي والطبراني بسند جيد عن هشام بن عروة عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال : إن عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنهما- بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في دعائه صلى الله عليه وسلم له

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو يعلى والطبراني برجال الصحيح عن عمرو بن حريث -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنه- وهو يلعب مع الغلمان أو مع الصبيان فقال : "بارك الله بعبد الله في بيعته أو في صفقته" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبغوي عن عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا ، كلما مسح قال : "اللهم أخلف جعفرا في ولده" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس ، والإمام أحمد وابن عساكر عن عبد الله بن جعفر ، وأبو داود الطيالسي وابن سعد والإمام أحمد والطبراني في "الكبير" والحاكم وابن عساكر والواقدي وابن سعد عن عبد الله بن جعفر ، وابن سعد عن عامر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فأخلف في ذريته بأحسن ما أخلفت أحدا من عبادك في ذريته" وفي لفظ : "اللهم أخلف جعفرا في ولده" وفي لفظ : "في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على دابته

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته ، قال : وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه ، فحملني بين يديه ، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه ، قال : فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 113 ] الخامس : في كرمه وجوده وبعض صفاته الجميلة

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر -رحمه الله تعالى- : كان عبد الله -رضي الله تعالى عنه- جوادا ، ظريفا ، حليما ، عفيفا ، سخيا ، يسمى بحر الجود ، يقال : إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه ، وكانوا يقولون : أجواد العرب في الإسلام عشرة . فأجواد الحجاز عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس ، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص . وأجواد أهل الكوفة عتاب بن ورقاء ، وأحمد بن رياح بن يربوع ، وأسماء بنت خارجة بن حصين الفزاري ، وعكرمة بن ربعي الفياض أحد بني تيم الله بن ثعلبة . وأجواد أهل البصرة عمر بن عبد الله بن معمر ، وطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي أحد بني مليح وهو طلحة الطلحات ، وعبد الله بن أبي بكر . وأجواد أهل الشام خالد بن عبد الله بن أسيد .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ليس في هؤلاء كلهم أجود من عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنهم- ولم يكن مسلم يبلع مبلغه في الجود ، وعوتب عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنه- في ذلك فقال : إن الله -عز وجل- عودني عادة ، وعودت الناس عادة ، فأنا أخاف إن قطعتها قطعت عني .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو القاسم البغوي عن عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنه- قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات جعفر دعا الحالق فحلق رؤوسنا ، وقال صلى الله عليه وسلم : "أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب ، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي ، ثم أخذ بيدي وقال : اللهم أخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" ثلاث مرات ، فجاءت أمنا أسماء تذكر ميتها فقال صلى الله عليه وسلم : "العيلة تكافئين عليها ، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة" انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 114 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية