الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في مولدها واسمها وفيمن تزوجها .

                                                                                                                                                                                                                              ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وثلاثون سنة ، وسماها رقية -بقاف واحدة وبالتشديد- أسلمت حين أسلمت أمها خديجة بنت خويلد ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه النساء ، قال قتادة بن دعامة ومصعب بن الزبير فيما رواه ابن أبي خيثمة -رضي الله تعالى عنه- كانت رقية -رضي الله تعالى عنها- تحت عتبة بن أبي لهب ، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة ، فلما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب [المسد : 1] قال أبوه لهما : رأسي بين رؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد ، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية ، وسألته رقية ذلك فقالت له أمه ، وهي حمالة الحطب : طلقها يا بني؛ فإنها قد صبأت ، ففارقاهما ، ولم يكونا دخلا بهما ، فتزوجت رقية عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهما- بمكة ، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة ، وذكر الدولابي أن تزوج عثمان إياها كان في الجاهلية ، والذي ذكره غيره أنه كان بعد إسلامه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريقين بإسناد حسن ، والزبير بن بكار عن قتادة بن دعامة -رحمه الله تعالى- قال : كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب ، فلما أنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب [المسد : 1] سأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاقها ، وسألته رقية ذلك ، فتزوج عثمان بن عفان رقية وتوفيت عنده .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : أتت قريش عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له : طلق ابنة محمد ، ونحن نزوجك .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في أن تزويج رقية عثمان -رضي الله تعالى عنهما- كان بوحي

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله -عز وجل- أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان" .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عروة بن الزبير -رضي الله تعالى عنه-[ . . . . . ] .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في حسنها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمرو -رحمه الله تعالى- : كانت رقية ذات جمال رائع, وقال أبو محمد بن قدامة : وكانت ذات جمال بارع ، فكان يقال : أحسن زوج رآها الإنسان مع زوجها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 34 ] وروي عن أسامة بن زيد قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بصحفة فيها لحم ، فدخلت عليه [ورقية جالسة فما رأيت اثنين أحسن منهما ، فجعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان ، فلما رجعت ، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أدخلت عليهما ؟ قلت : نعم ، قال : فهل رأيت زوجا أحسن منهما ؟ قلت : لا يا رسول الله لقد جعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الطبراني ، وقال : كان هذا قبل نزول الحجاب ، وفيه راو لم يسم ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عبد الله بن حزم المازني قال : رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه .

                                                                                                                                                                                                                              رواه الطبراني ، وفيه الربيع بن بدر ، وهو متروك .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ، ثمنه أربعة دراهم أو خمسة ، وريطة كوفية ممشقة ، ضرب اللحم ، طويل اللحية ، حسن الوجه . رواه الطبراني وإسناده حسن .

                                                                                                                                                                                                                              وعن موسى بن طلحة قال : كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا وكان أجمل الناس ، وعليه ثوبان أصفران إزار ورداء حتى يأتي المنبر فيجلس عليه . رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عبد الله بن عون القاري قال : رأيت عثمان بن عفان أبيض اللحية . رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفه .

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن أبي ذئب ، عن عبد الرحمن بن سعد قال : رأيت عثمان بن عفان أصفر اللحية . رواه الطبراني عن مقدام بن داود ، وهو ضعيف] .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في هجرتها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي خيثمة بن سليمان وعمر الملا عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان ، وخرج معه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما ، فجعل يترقب الخبر ، فقدمت امرأة من قريش ، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : رأيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على أي حال رأيتها ؟ " فقالت : رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب ، وهو يسوقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "منحهما الله -عز وجل- أن عثمان لأول من هاجر بأهله إلى الله -عز وجل- بعد لوط عليه السلام" .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في إجابة دعائها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو محمد بن قدامة : روينا أن فتيان أهل الحبشة كانوا يعرضون للسيدة رقية ، وينظرون إليها ، ويعجبون من جمالها ، فأذاها ذلك ، فدعت عليهم جميعا ، فهلكوا .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في وفاتها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              قال مصعب بن الزبير : توفيت رقية عند عثمان بالمدينة ، وتخلف عليها عن بدر ، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن شهاب : تخلف عثمان على امرأته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت -عليها السلام- وجعة فتوفيت يوم قدم أهل بدر المدينة ، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 35 ] بسهمه وأجره .

                                                                                                                                                                                                                              رواهما ابن أبي خيثمة ، توفيت -عليها السلام- على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في ولدها رضي الله تعالى عنها

                                                                                                                                                                                                                              أسقطت من عثمان سقطا ، ثم ولدت له عبد الله .

                                                                                                                                                                                                                              قال مصعب بن الزبير : ولدت رقية لعثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهما- بالحبشة ولدا سماه عبد الله ، فكان يكنى به ، بلغ سنتين ، وقيل : ست سنين ، فنقره في عينيه ديك ، فتورم وجهه ومرض ، فمات .

                                                                                                                                                                                                                              قال في "العيون" : إنه مات بعد أمه سنة أربع ، ولم تلد شيئا غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صلى الله عليه وسلم : "ونزل في حفرته أبوه عثمان" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدولابي : مات وهو رضيع ، والله تعالى أعلم . وشذ قتادة فقال : لم تلد لعثمان -رضي الله تعالى عنه- وغلطوه في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 36 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية