الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي عشر في بعض فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                                وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                                  الأول : - في نسبه وأولاده - رضي الله تعالى عنه - فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المكي المدني يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرة ، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت - رضي الله تعالى عنها -[قال بعضهم ] : كان آدم وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب رحب الصدر بعيد ما بين المنكبين . ضخم القدمين ، إذا مشى أسرع وإذا التفت التفت جميعا ، ولا يغير شيبه وكان في الشدة والقلة لنفسه بذولا ، وفي السعة والرضا وصولا وكان له عشرة أولاد محمد السجاد ، وعمران أمهما حمنة بنت جحش .

                                                                                                                                                                                                                                وموسى ، ويعقوب ، وإسحاق ، وأمهم إبان بنت عتبة بن ربيعة .

                                                                                                                                                                                                                                وزكريا ويوسف ، وعائشة وأمهم أم كلثوم بنت الصديق .

                                                                                                                                                                                                                                وعيسى ويحيى وأمهما سعدى بنت عوف بن خارجة ، وأم إسحاق والصعبة ، ومريم ، وصالح ، وأسلم أخواه عثمان وعبد الرحمن وله عدة موالي .

                                                                                                                                                                                                                                الثاني : في جمل من فضائله .

                                                                                                                                                                                                                                فهو أحد العشرة المبشرة بالجنة والثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، والستة أصحاب الشورى والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق - رضي الله تعالى عنه - شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بدرا ، فإنه بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الشام يتجسس الأخبار ، فقدم بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدر ، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سهم له ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لك سهمك ، قال : وأجري يا رسول الله ؟ قال : وأجرك ، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير ، وطلحة الجود ، وطلحة الفياض ، لكثرة جوده .

                                                                                                                                                                                                                                روى ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : «ما أنت يا طلحة إلا فياض » باع أرضا بسبعمائة ألف ، فبات تلك الليلة كلها ورسله تختلف إلى فقراء أهل المدينة فما أصبح وعنده منها درهم ، وفي رواية : «فبات عنده ليلة ، فبات أرقا من ذلك المال حتى أصبح ففرقه ، وفدى عشرة من أسارى [ ص: 309 ] بدر بماله ، جاءه أعرابي ، وتقرب إليه برحم ، فقال : إن هذه الرحم ما سألني بها أحد قبلك ، ولي أرض قد أعطاني فيها عثمان (بن عفان ) ثلاثمائة ألف ، فإن شئت الأرض وإن شئت الثمن فقال : الثمن فأعطاه ، وكان يكفي ضعفاء بني تميم ، ويقضي ديونهم يرسل إلى عائشة كل سنة عشرة آلاف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                وسماه أيضا طلحة الطلحات ، وليس هو طلحة الطلحات الذي قيل فيه :

                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                                                                                                                                                                              رحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات



                                                                                                                                                                                                                                  لأنه خزاعي مدفون بسجستان ، وكان الصديق إذا ذكر يوم أحد قال : ذاك يوم كله لطلحة ، وجعل يومئذ نفسه وقاية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح غريب وأبو يعلى وابن حبان ، والحاكم والضحاك عن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أوجب طلحة حين صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات » «والديلمي » وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : يا طلحة ، هذا جبريل يقرؤك السلام ، ويقول لك : أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن منده وابن عساكر والحاكم والترمذي وقال : غريب وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية ، وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : «يا طلحة ، أنت ممن قضى نحبه ، وفي لفظ : «طلحة ممن قضى نحبه » .

                                                                                                                                                                                                                                روى الترمذي وحسنه عن طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألة يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي ، فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال : أنا يا رسول الله ، قال «هذا ممن قضى نحبه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في الحلية - عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا على المنبر : فمنهم من قضى نحبه ، فسأله رجل من هم ؟ فأقبل على طلحة بن عبد الله ، فقال : أيها السائل ، هذا منهم » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 310 ] وروى [الطبراني ] عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : طلحة ممن قضى نحبه .

                                                                                                                                                                                                                                وفي تفسير ابن أبي حاتم أن عمارا منهم ، وفي تفسير يحيى بن سلام : حمزة وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني في - الكبير - وأبو نعيم والضياء والبارودي والبغوي عن حصين بن وحوح قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم الق طلحة تضحك إليه ويضحك إليك .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الترمذي وقال : غريب وأبو يعلى والحاكم وتعقب وأبو نعيم في المعرفة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «طلحة والزبير جاراي في الجنة » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الحاكم وابن ماجه وابن عساكر عن جابر ، وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «طلحة خير شهيد يمشي على وجه الأرض » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة - عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : لك الجنة علي يا طلحة غدا .

                                                                                                                                                                                                                                وهو أعظم الطلحات السبعة المعدودين في الجود ، فقد باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف ، فحملها إليه ، فلما جاء بها ، قال : إن رجلا ثبت هذه عنده ، لا يدري ما يطرقه من أمر الله ، لغرير بالله ، فبات ، ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم .

                                                                                                                                                                                                                                وقد تصدق يوما بثمانمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه .

                                                                                                                                                                                                                                والثاني : طلحة بن (عمر التميمي ) طلحة الجود .

                                                                                                                                                                                                                                والثالث : طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، ويسمى طلحة الدراهم .

                                                                                                                                                                                                                                والرابع : طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ويسمى طلحة الخير .

                                                                                                                                                                                                                                والخامس : طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ويسمى طلحة الدوسي .

                                                                                                                                                                                                                                السادس : طلحة بن عبد الله بن خلف ، ويسمى طلحة الندى .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 311 ] السابع : طلحة بن عبد الله الخزاعي ، ويسمى طلحة الطلحات .

                                                                                                                                                                                                                                الثالث : في وفاته - رضي الله تعالى عنه - .

                                                                                                                                                                                                                                قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين ، وهو ابن أربع وستين ، وقيل : اعتزل يوم الجمل في بعض الصفوف ، فرمي بسهم فقطع من رجله عرق النسا ، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات ، وأقر مروان بن الحكم أنه رماه ، ودفن بقنطرة القرة ، قد رأى بعد موته بثلاثين سنة في المنام أنه يشكو إليها الغلاوة فأمر به فاستخرج طريا ودفن في دار الهجرتين بالبصرة ، وقبره مشهور .

                                                                                                                                                                                                                                [شرح غريب ما سبق ] .

                                                                                                                                                                                                                                نحب : بنون فحاء فموحدة ، النذر كأنه أكرم نفسه أن يصدق الله في قتل أعدائه في الحرب ، وقيل : هو الموت ، فكأنه ألزمها أن يقاتل حتى الموت .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 312 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية