الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في قوله - صلى الله عليه وسلم - يا أخي أشركنا في دعائك ، وقوله : «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 265 ] روى الإمام أحمد وغيره وابن سعد وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : «يا أخي أشركنا في دعائك وفي لفظ «في صالح دعائك ولا تنسنا » .

                                                                                                                                                                                                                                رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حسن صحيح عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فأذن لي ، وقال : لا تنسنا يا أخي من دعائك ، فقال لي كلمة ما سرني أن لي بها الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الحاكم وابن عساكر والطبراني في الكبير - عن ثوبان ، وابن عساكر عن علي والزبير ، وأبو داود الطيالسي والنسائي والإمام أحمد عن ابن مسعود وابن ماجه وابن عدي في الكامل والحاكم والبيهقي عن عائشة ، وابن عساكر عن الزبير بن العوام ، والسدي عن ربيعة السعدي والحاكم والطبراني في الكبير عن ابن مسعود والإمام أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح ، وعبد بن حميد ، وابن سعد وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية ، والبغوي عن ربيعة السعدي وابن عساكر عن ابن عمر ، والبزار عن أنس عن خباب وابن سعد عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «اللهم أعز » وفي لفظ : «أيد الإسلام بعمر بن الخطاب ، وفي لفظ : «خاصة » ، وفي لفظ : «اللهم ، أعز عمر بن الخطاب » ، وفي لفظ : «بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب » ، وفي لفظ : «بأحب الرجلين » ، وفي لفظ : «هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في الحلية - عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كان يقول : والله ، ما نعنى بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا ، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار ملء عين اليعقوب ، أكلنا هذا ، وشربنا هذا ، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا ، لأنا سمعنا الله تعالى يقول : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [الأحقاف 20 ] .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عبد بن حميد عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله ، فقال : هذا لنا ، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ فقال خالد : لهم الجنة ، فأزرفت عينا عمر . فقال : لئن كان حظنا من هذا الطعام ، وذهبوا بالجنة ، فقد بانوا بوانا بعيدا .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الحاكم والترمذي والطبراني والضياء عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 266 ] «أتاني جبريل ، فقال : أقرئ عمر السلام وقل له إن رضاه حكم ، وإن غضبه عز » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الحكيم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتاني جبريل ، فقال : أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه عدل .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الحاكم في تاريخه ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب ، والديلمي ، وابن النجار ، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «اتقوا غضب عمر ، فإن الله يغضب إذا غضب .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو داود والطبراني والحاكم عن أبي رمثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أصاب الله بك يا ابن الخطاب » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى النسائي وابن منده وابن عساكر عن واصل مولى عيينة ، قال : كانت امرأة عمر اسمها عاصية فأسلمت ، فقالت لعمر : قد كرهت اسمي فسمني فقال : أنت جميلة ، فغضبت وقالت ما وجدت اسما سميتني إلا اسم أمة ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني كرهت اسمي فسمني ، فقال : أنت جميلة ، فقالت : يا رسول الله ، قلت لعمر : سمني : فقال : أنت جميلة فغضبت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه .

                                                                                                                                                                                                                                ورواه ابن عساكر في التاريخ والنسائي عن بلال وابن عساكر عن أبي بكر الصديق بلفظ : «إن الله جعل الحق في قلب عمر ، وعلى لسانه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن (عساكر عن أبي ذر بلفظ : «إن الله جعل السكينة على لسان عمر وقلبه يقول بها » . )

                                                                                                                                                                                                                                ورواه ابن سعد عن أيوب بن موسى مرسلا «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق ، فرق الله به بين الحق والباطل » .

                                                                                                                                                                                                                                ورواه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي ، وقال : حسن صحيح ، والطبراني عن ابن عمرو عن بلال والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى والروياني والحاكم والضياء عن أبي ذر ، وتمام وابن عساكر عن أبي سعيد والإمام أحمد وأبو يعلى وتمام والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ، والطبراني عن معاوية بلفظ : «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني عن سديسة عن مولاة حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 267 ] وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الشيطان يفر من عمر بن الخطاب » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عدي وابن عساكر عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الله عز وجل باهى الملائكة عشية يوم عرفة بعمر بن الخطاب » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عساكر عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من (أغضب ) عمر فقد أغضبني ، ومن أحب عمر فقد أحبني ، وإن الله باهى عشية يوم عرفة بالناس عامة ، وإن الله باهى بعمر خاصة ، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته (من يحدث ) » .

                                                                                                                                                                                                                                وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ، وقيل : كيف يا رسول الله يحدث ؟ قال : يتحدث الملائكة على لسانه .


                                                                                                                                                                                                                                وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه عليه - الصلاة والسلام - قال : «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                قال ابن وهب : محدثون : أي ملهمون .

                                                                                                                                                                                                                                وقال ابن عيينة معناه : مفهمون .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «مه عن عمر ، فوالله ما سلك عمر واديا قط ، فسلكه الشيطان » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نزل الحق على لسان عمر وقلبه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني في الكبير - عن سلمة بن مالك الخطمي ، وابن عدي في الكامل - عن أبي هريرة وابن عمر معا - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ويحك إذا مات عمر ، فإن استطعت أن تموت فمت » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الديلمي عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال : «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب ، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني في «الكبير » عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال [ ص: 268 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا ابن الخطاب ، أتدري مما تبسمت إليك إذا الله عز وجل باهى ملائكته ليلة عرفة بأهل عرفة عامة وباهى بك خاصة » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في الحلية وابن جرير عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «عمر ارجع ، فإن غضبك عز ، ورضاك حكم ، إن لله في السماوات السبع ملائكة يصلون له غنى عن صلاة فلان » قال عمر : فما صلاتهم ؟ فلم يرد على شيء ، فأتاه جبريل ، فقال : يا نبي الله ، يسألك عن صلاة أهل السماء ، قال : نعم ، فقال : اقرأ على عمر السلام ، وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، وأهل السماء الثانية ركوع يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون : سبحان الحي الذي لا يموت » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم وابن عساكر عن عقيل بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا عمر إن غضبك عز ، ورضاك حكم » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الديلمي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا عائشة ، ما من أصحابي أحد إلا وقد غلبه شيطانه إلا عمر ، فإنه غلب الشيطان » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : صحيح وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الأوسط والضياء وابن منيع والحارث عن أنس ، والطيالسي والإمام أحمد والشيخان وابن حبان وأبو عوانة عن جابر ، والإمام أحمد عن عبد الله بن بريرة عن أبيه ، والإمام أحمد وأبو يعلى والروياني وأبو بكر في الغيلانيات عن معاذ وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب » ، وفي لفظ : «فرأيت فيها دارا وقصرا » فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب وفي لفظ : «لشاب من قريش فظننت أني أنا هو ، فقلت : ومن هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته ، وفي لفظ : «فأردت أن أدخله فذكرت غيرة أبي حفص ، فقال عمر : أوعليك أغار يا رسول الله ، هل هذا في الله إلا بك ؟ وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل من علي إلا بك » ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة أمامي فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قال : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله ، فذكرت غيرتك » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 269 ] وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «رضي الله عن عمر ، ورضي عن من رضي عنه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر وابن عساكر والحاكم عن المصعب بن جثامة وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن ابن عباس عن أخيه الفضل - رضي الله تعالى عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عمر معي ، وأنا مع عمر » وفي لفظ : «عمر مني وأنا من عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عدي عن سعيد بن جبير عن أنس ، وابن شاهين وابن عساكر عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «قال لي جبريل : أقرئ عمر السلام وأعلمه أن رضاه حكم ، وغضبه عدل » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو بكر الآجري في الشريعة ، والحاكم ، وتعقبه وأبو نعيم في «فضائل الصحابة » أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لما أسلم عمر أتاني جبريل ، فقال : قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : حسن غريب ، وأبو يعلى ، والطبراني في الكبير والروياني والبيهقي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عامر ، والطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الترمذي وضعفه والبزار والدارقطني في الإفراد والحاكم وتعقب ، وابن عساكر عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما طلعت الشمس على أحد ، وفي لفظ : «على رجل خير » وفي لفظ : «أفضل من عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى ابن عدي وأبو نعيم في فضائل الصحابة والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الدارقطني في الإفراد - وابن منده وابن عساكر عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 270 ] وروى الحاكم عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما لقي الشيطان عمر في فج فسمع صوته إلا أخذ غير فجه » .

                                                                                                                                                                                                                                الرابع : في موافقاته ، وهي آية الحجاب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] و عسى ربه إن طلقكن [التحريم 5 ] و فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون 14 ] والاستئذان وأسارى بدر ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [التوبة 84 ] ووصيته وكرامته ووفاته ، وثناء الصحابة عليه ، وأن موته ثلمة في الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أبو داود الطيالسي ، وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وهو صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال : وافقت ربي في أربع ، قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] وقلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ، فأنزل الله تعالى وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [الأحزاب 53 ] ، ونزلت هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله : ثم أنشأناه خلقا آخر [المؤمنون 14 ] . فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت : فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون 14 ] ودخلت على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت لهن : لتنتهين أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية عسى ربه إن طلقكن [التحريم 5 ] .

                                                                                                                                                                                                                                وروى سعيد بن منصور ، والإمام أحمد والدارقطني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن أبي عاصم وابن جرير والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الإفراد ، وابن شاهين في السنة ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية - والبيهقي عنه - رضي الله تعالى عنه - قال : وافقت ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] ، وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه من الغيرة فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك [التحريم 5 ] .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الترمذي وقال : حسن صحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : «ما نزل بالناس أمر قط ، فقالوا فيه ، وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                ومن كراماته قصة سارية المشهورة حيث كان يخطب يوم الجمعة في السنة التي مات فيها ، فقال في أثناء كلامه : يا سارية بن الحصين ، الجبل الجبل ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا ما قال ، فقال له علي لما نزل : ما هذا الكلام الذي قلته ؟ قال : وقد سمعتني قال : [ ص: 271 ] سمعتك أنا وكل من في المسجد ، فقال : رأيت أصحابنا (بنهاوند ) وقد أحاط بهم العدو ، وهناك جبل فإن اعتصموا إليه سلموا وظفروا ، وإلا فيهلكوا فجاء البشير بعد شهر بخبر نصر المسلمين ، وأنهم سمعوا في ذلك الوقت صوتا يشبه صوت عمر ، يا سارية بن حصين ، الجبل الجبل ، فعدلوا إليه ، فانتصروا وظفروا ، فكشف له عن حال السرية حتى عاينهم ببصره وارتفع بصره وصوته إلى أن سمعوه في ذلك الوقت ، فلما جاءه البشير أخبره بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                وفتح على يديه فتوحات كثيرة منها بيت المقدس ، ومن مناقبه قوله «لو أن جملا من ولد الضأن ، ضاع على شط الفرات لخفت أن يسألني الله تعالى عنه » ومنها : تواضعه مع رفعة قدره وجلالة منصبه ومنها أنه كان في عام الرمادة يصوم النهار ، فإذا أمسى أتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد الخبز ثم قال : ويحك تأمرنا ، ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت معترين فضعها بين أيديهم ، وقد حلف في ذلك العام أن لا يأكل سمنا ولا سمينا حتى يأكل الناس ، وما أثر عنه من كلماته وجدنا علينا الصبر ، إن الطمع فقر واليأس عز .

                                                                                                                                                                                                                                جالس التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة .

                                                                                                                                                                                                                                كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم ، واسألوا رزق يوم بيوم .

                                                                                                                                                                                                                                وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

                                                                                                                                                                                                                                لو أن مثل الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه .

                                                                                                                                                                                                                                والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها - يعني الخلافة كما دخلت فيها لا أجرا ولا وزرا .

                                                                                                                                                                                                                                ولو نادى مناد من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون الجنة إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو ، ولو نادى مناد من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون النار كلكم إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا هو .

                                                                                                                                                                                                                                وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم تر عيني إلا رجلا وقد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت ، فإذا هو علي بن أبي طالب فترحم على عمر ، وقال : ما خلق الله أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله ، إن كنت لأظن أن يجعلك مع [ ص: 272 ] صاحبيك وذلك أني كنت كثيرا أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما » .

                                                                                                                                                                                                                                رواه مسلم عن أبي بكر .

                                                                                                                                                                                                                                وروى مسلم في صحيحه والحافظ والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - أصاب أرضا بخيبر ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت أرضا ، والله ما أصبت مالا قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال : إن شئت تصدقت بها وحبست أصلها ، فقال : فجعلها عمر صدقة لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث فتصدق بها على الفقراء وذي القربى وفي سبيل الله ، قال ابن عوف : احبسه قال : والضيف ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف ، ويطعم صديقا غير متمول ، قال ابن عوز : فذكرته لابن سيرين فقال : «غير متأثل مالا » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى [البخاري ] أن عمر - رضي الله تعالى عنه - تصدق بماله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يقال له : ثمغ وكان نخلا فقال عمر : يا رسول الله ، إني استنفدت مالا وهو عندي نفيس ، فأردت أن أتصدق به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تصدق بأصله لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يورث ، ولكن تنفق ثمرته فتصدق به عمر ، فصدقته تلك في سبيل الله ، وفي الرقاب ، والمساكين ، والضيف وابن السبيل ، ولذوي القربى ، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد أن صدقة عمر - رضي الله تعالى عنه - نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمرته حيث أراها الله ، فإن توفيت فإنه إلى ذي الرأي من أهله ، وفي لفظ : «من ولدي » لا يشرى أصله أبدا ، ولا يوهب من وليه فلا حرج عليه في ثمره ، إن أكل أو آكل صديقا غير متأثل مالا فما عفا عنه من ثمره ، فهو للسائل والمحروم ، والضيف ، وذوي القربى ، وابن سبيل وفي سبيل الله ، تنفقه حيث أراها الله عز وجل من ذلك فإن توفيت فإلى ذي الرأي من ولدي والمائة الوسق الذي أطعمني محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوادي بيدي ، لم أهلكها فإنه مع [ثمغ ] على سنته التي أمرت بها ، وإن شاء لي ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعمله ، وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم ، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين : إن حدث به حدث إن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه ، والمائة سهم الذي بخيبر ، ودقيقه الذي [ ص: 273 ] فيه ، والمائة يعني الوسق الذي أطعمه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تليه حفصة ما عاشت ، ثم يليه ذوو الرأي من أهلها ، لا يباع ولا يشترى ، ينفقه حيث رأى في السائل والمحروم ، وذوي القربى ، ولا حرج على وليه إن أكل أو آكل أو اشترى له رقيقا منه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى الطبراني من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال للستة الذين خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ، بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف ، فمن أبى فاضربوا عنقه » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى أن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - بكى عند موت عمر - رضي الله تعالى عنه - فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : على الإسلام أبكي ، إنه بموت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى [ابن سعد في الطبقات ] عن زيد بن وهب - رحمه الله تعالى - قال : أتينا عبد الله بن مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابتل الحصى من دموعه ، وقال : إن عمر كان حصنا حصينا للإسلام ، يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه فلما مات أثلم الحصن فإذا الناس يخرجون عن الإسلام ولا يدخلون فيه .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عن أبي وائل - رضي الله تعالى عنه - قال : قدم علينا عبد الله بن مسعود ينعي إلينا عمر ، فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا حزينا منه ، ثم قال : والله لو أعلم أن عمر كان يحب كلبا لأحببته ، والله إني أحسب العضاة قد وجد فقد عمر .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عنه قال : قال عبد الله : لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عن إبراهيم عن عبد الله قال : إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم ، قال : كان عمر أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله ، وكان إسلامه فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال أبو طلحة الأنصاري : والله ما أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخله في موت عمر نقص في دينهم ودنياهم » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 274 ]   وروى أن حذيفة قال : «إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل امرئ مقبل : لم يزل في قتال ، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار » .

                                                                                                                                                                                                                                  وروى أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : من رأى ابن الخطاب علم أنه خلق عونا للإسلام ، كان والله ، أحوذيا ، نسيج وحده ، وقد أعد للأمور أقرانها .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عنه عنها «إذا ذكرتم عمر طال المجلس » .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عن طارق بن شهاب قال : قالت أم أيمن - رضي الله تعالى عنها - يوم أصيب عمر - رضي الله تعالى عنه - : اليوم وهى الإسلام ، قال الشعبي : إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف صنع عمر ، فإن عمر لم يكن يصنع شيئا حتى يشاور .

                                                                                                                                                                                                                                قال قتيبة بن جابر : صحبت عمر فما رأيت أقرأ منه لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أحسن دراسة منه .

                                                                                                                                                                                                                                قال الحسن البصري : إذا أراد أحد أن يطيب المجلس ، فأفيضوا في ذكر عمر .

                                                                                                                                                                                                                                وروى عنه أنه قال : أي أهل بيت لم يجدوا فقده فهم أهل بيت سوء ، وقال طلحة بن عبيد الله : كان عمر أزهدنا في الدنيا ، وأرغبنا في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                وقال سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - : قد علمنا بأي شيء فضلنا عمر ، كان أزهدنا في الدنيا ، ودخل على ابنته حفصة - رضي الله تعالى عنها - فقدمت له مرقا وصبت عليه زيتا ، فقال : إدامان في إناء واحد لا آكله حتى ألقى الله عز وجل » .

                                                                                                                                                                                                                                وقال أنس - رضي الله تعالى عنه - : لقد رأيت في قميص عمر - رضي الله تعالى عنه - أربع رقاع بين كتفيه وعن أبي عثمان رأيت عمر - رضي الله تعالى عنه - يرمي الجمار وعليه إزار مرقوع بقطعة من أدم وعن غيره أن قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم » .

                                                                                                                                                                                                                               

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية