الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في أمه ، وميلاده ، وعقيقته ، وتسميته ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              أمه : مارية القبطية بنت شمعون ، ذكرت في مناقب أمهات المؤمنين في أبواب نكاحه صلى الله عليه وسلم ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان بالعالية ، قاله مصعب بن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية القبطية ، وكانت بيضاء جميلة ، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم بنت ملحان ، وعرض عليها الإسلام ، فأسلمت فوطأ مارية بالملك ، وحولها إلى مال له بالعالية ، كان من أموال بني النضير ، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل ، فكان يأتيها هناك ، وكانت حسنة الدين ، وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه إبراهيم ، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه ، وحلق رأسه ، فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين ، وأمر بشعره فدفن في الأرض ، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى زوجها أبي رافع ، فأخبرته بأن مارية ولدت غلاما ، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا ، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهن حين رزق منها الولد .

                                                                                                                                                                                                                              سلمى مولاة صفية ولا شك أن مولاة عمة الشخص مولاته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : لما ولد إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم . ورواه ابن منده بلفظ : لما ولد إبراهيم ابن مارية جاريته كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل ، فقال : السلام عليك ، يا أبا إبراهيم!

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد عنه ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح ، فقال : إنه ولد لي في الليلة ولد وإني سميته باسم أبي إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الزبير عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين ، وحلق رأسه أبو هند ، وسماه يومئذ هكذا ، قال الزبير : سماه يوم سابعه .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في رضاعه ومن أرضعه .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد والزبير بن بكار عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال : ولد [ ص: 22 ] سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه وأحببن أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يعلمن من ميله إليها ، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار ، فكانت ترضعه ، وكان يكون عند أبويه في بني النجار ، ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة فيقيل عندها ويؤتى بإبراهيم -عليه السلام- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة ، يقال له : أبو سيف ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره ، وقد امتلأ البيت دخانا ، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت : يا أبا سيف ، أمسك ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه ، وقال : ما شاء الله أن يقول .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عنه قال : ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة ، فكان يأتيه (ونجيء معه) فيدخل البيت وإنه ليدخن ، قال : وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في وفاته وتاريخه ، وصلاته عليه ، وحزنه عليه

                                                                                                                                                                                                                              مات سنة عشر ، جزم به الواقدي ، وقال : يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت عائشة : عاش ثمانية عشر شهرا . رواه الإمام أحمد . وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على الشك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن المؤمل : بلغ سبعة عشر شهرا وثمانية أيام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن مكحول ، وابن سعد عن عطاء ، وابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف ، وابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، وابن سعد عن قتادة ، وابن سعد عن أنس -رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف ، فانطلقا به إلى النخل الذي فيه إبراهيم -عليه السلام- فدخل وإبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ، فلما (مات) زرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن بن عوف : تبكي يا رسول الله ؟ أولم تنه عن البكاء ؟ قال : "إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين؛ صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجه ، وشق جيب ، ورنة شيطان" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 23 ] وفي رواية : "إنما نهيت عن النياحة ، وأن يندب الميت بما ليس فيه" ، ثم قال : "وإنما هذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ، ووعد صادق ، ويوم جامع . . . " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : "لولا أنه أجل معدود ، ووقت معلوم ، ووعد صادق ، وأنها سبيل مأتية ، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا ، وإن بك يا إبراهيم لمحزونون تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : فلقد رأيته يكيد بنفسه ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، والله يا إبراهيم ، إنا بك لمحزونون" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم وأبو داود وابن سعد والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى ، والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والطبراني في "الكبير" وابن عساكر عن أسماء بنت يزيد -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، ولولا أنه وعد صادق ، وموعود جامع ، وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فصرخ أسامة بن زيد ، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رأيتك تبكي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "البكاء من الرحمة ، والصراخ من الشيطان" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره ، وهو يجود بنفسه ، فذرفت عيناه ، فقلت له : أتبكي يا رسول الله ، أولم تنه عن البكاء ؟ قال : "إنما نهيت عن النوح ، عن صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" .

                                                                                                                                                                                                                              قال : قال عبد الله بن نمير في حديثه : "إنما هذا رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم ، لولا أنه أمر حق ، ووعد صادق ، وأنها سبيل مأتية ، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والحكيم والترمذي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- لما قبض إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدرجوه في أكفانه ، حتى أنظر إليه" فأتاه فانكب عليه وبكى .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 24 ] واختلف : هل صلى عليه أم لا ؟

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن سعد من طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن البراء ، والبيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس ، وابن سعد وأبو يعلى عن أنس ، وأبو داود والبيهقي مرسلا عن عطاء بن أبي رياح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه سيدنا إبراهيم ، زاد البيهقي : "في المقاعد" وهو موضع الجنائز ، زاد أنس : وكبر عليه أربعا ، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عطاء ، وابن سعد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد ، فناول الحفار مدرة وقال : "إنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنها تقر عين الحي" ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه ، ويقول : "إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه؛ فإنه مما يسلي بنفس المصاب" .

                                                                                                                                                                                                                              قال الزبير بن بكار : ولما دفن قبل علي قبره ، وأعلى بصلاته ، وهو أول قبر رش .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن رجل من آل علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن سيدنا إبراهيم ، قال : هل من أحد يأتي بقربة ، فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء ، فقال : رشها على قبر إبراهيم ، وقال : وقبر إبراهيم قريب من الطريق ، وأشار إلى قريب من دار عقيل .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في انكساف الشمس يوم وفاته

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، عن أمه سيرين قالت : حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا ، فلما مات نهانا عن الصياح .

                                                                                                                                                                                                                              وغسله الفضل بن عباس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ، ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد ، وأنا أبكي عند قبره ، ما ينهاني أحد ، وخسفت الشمس في ذلك اليوم ، فقال الناس : لموت إبراهيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته" ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة من اللبن ، فأمر بها أن تسد ، فقيل : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنها لا تضر ولا تنفع ، ولكن تقر عين ، وإن الحي العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه" .

                                                                                                                                                                                                                              ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال : انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس : لموت إبراهيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 25 ] الخامس : في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن له مرضعا في الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا ، ولو عاش لعتقت أخواله القبط ، وما استرق قبطي . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في الرد على من زعم أنه لقنه

                                                                                                                                                                                                                              اشتهر على الألسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن ، وهذا شيء لم يوجد في كتب الحديث ، وإنما ذكره المتولي في "تتمته والإبانة" بلفظ : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال : "قل : الله ربي ، ورسولي أبي ، والإسلام ديني" فقيل : يا رسول الله ، أنت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [إبراهيم : 27] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              والأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى "النظامي" ولفظه : عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره ، فقال : "يا بني! القلب يحزن ، والعين تدمع ، ولا نقول ما يسخط الرب ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا بني! قل : الله ربي ، والإسلام ديني ، ورسول الله أبي" فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال : "يا عمر ، ما يبكيك ؟ " فقال : يا رسول الله ، هذا ولدك وما بلغ الحلم ، ولا جرى عليه القلم ، ويحتاج إلى ملقن ، فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت ، فما حال عمر وقد بلغ الحلم ، وجرى عليه القلم ، وليس له ملقن مثلك ، أي شيء يكون صورته في تلك الحالة ؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه ، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وسلم ، فصعد جبريل ونزل ، وقال : ربك يقرئك السلام وقال : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [إبراهيم : 27] يريد بذلك وقت الموت ، وعند السؤال ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الآية ، فطابت الأنفس ، وسكنت القلوب ، وشكروا الله ، وهذا كما ترى منكر جدا ، بل لا أصل له .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في أنه لو عاش لكان نبيا

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري وابن ماجه عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لابن أبي أوفى : هل رأيت السيد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مات صغيرا ، ولو قضي أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لعاش ابنه إبراهيم ، ولكن لا نبي بعده .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد بلفظ : سمعت ابن أبي أوفى يقول : لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم ، ولكن لا نبي بعده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد بسند على شرط مسلم قال : أخبرنا عفان بن مسلم ويحيى بن حماد ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي قالوا : أخبرنا أبو عوانة ، أخبرنا إسماعيل السدي قال : سألت أنس [ ص: 26 ] ابن مالك -رضي الله تعالى عنه- أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ؟ قال : لا أدري -رحمة الله على السيد إبراهيم- لو عاش لكان صديقا نبيا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر من طريقين عن السدي قلت لأنس : كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قد كان غلاما بالمهد ، ولو بقي لكان نبيا ، ولكن لم يبق؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الباوردي في "المعرفة" : حدثنا محمد بن عثمان بن محمد ، حدثنا منجاب بن الحارث ، حدثنا أبو عامر الأسدي ، ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن له مرضعا في الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا" .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              قال الشيخ تقي الدين السبكي -قدس الله روحه ونور ضريحه- في الكلام على حديث : "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد" .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت : النبوة وصف ، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا ، وإنما تكون بعد أربعين سنة أيضا ، فكيف يوصف قبل وجوده وقبل إرساله ؟

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، فقد تكون الإشارة بقوله : "كنت نبيا" إلى روحه الشريفة وإلى حقيقة ، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها ، وإنما يعلمها خالقها ، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي .

                                                                                                                                                                                                                              ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء ، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من (قبل) خلق آدم صلى الله عليه وسلم أتاها الله ذلك الوصف ، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك ، وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سبق ذلك في أوائل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                              ومن هذا يعرف تحقيق نبوة السيد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال صغره ، وإن لم يبلغ سن الوحي .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في الوصية بأخواله القبط .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم؛ فإن لهم ذمة ، وإن لهم رحما .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 27 ] وروى عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "استوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الله الله في قبط مصر فإنكم مستظهرون عليهم ، فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية