الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                              ما ذكر ابن إسحاق من أن صداقه -صلى الله عليه وسلم- لأكثر أزواجه أربعمائة درهم ، ورد ما يخالفه ، روى مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : كان صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا ، قالت : النش نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم ، فذلك صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه ، وهذا أولى بالصحة؛ لأنه متفق عليه ، ولأنه فيه زيادة على ما ذكره ابن إسحاق ، ومن ذكر الزيادة معه زيادة علم .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في ذكر الآيات التي نزلت في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                                                                                                                                                                                                                              قال الله عز وجل : وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب : 6] يعني : أمهات المؤمنين ، ثم في تعظيم الحرمة ، وتحريم نكاحهن على التأبيد ، فهن كالأمهات لا في النظر إليهن ، والخلوة بهن ، فإن ذلك حرام في حقهن كما في الأجانب ، ولا يقال لبناتهن : أخوات المؤمنين ، ولا لإخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم ، فقد تزوج الزبير من أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة -رضي الله تعالى عنها- وتزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة ، ولم يقل : هما خالتا المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                              ويقال لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين الرجال دون النساء ، بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- : يا أمة ، فقالت : لست لك بأم ، إنما أنا أم رجالكم ، فبان بذلك أن معنى الآية أن الأمومة في الأمة المراد بها تحريم نكاحهن على التأبيد كالأمهات .

                                                                                                                                                                                                                              وقال تعالى في سورة الأحزاب : يا أيها النبي قل لأزواجك [الأحزاب : 28] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 147 ] روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن [عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه ، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك" وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت : ثم قال : إن الله قال : يا أيها النبي قل لأزواجك إلى تمام الآيتين ، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة] .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في حسن خلقه معهن ومداراته -صلى الله عليه وسلم- لهن ، وحثه على برهن ، والصبر عليهن رضي الله تعالى عنهن

                                                                                                                                                                                                                              روى الطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن عبد الله الجدلي ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- كيف كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهله ؟ قالت : كان أحسن الناس خلقا ، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ، ولا يجازي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويغفر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحارث بن أسامة والخرائطي وابن عساكر عن عمرة قالت : سئلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خلا مع نسائه ، قالت : كان كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس ، وأحسن الناس خلقا ، وألين الناس في قومه وأكرمهم ، ضحاكا بساما .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن ميمونة -رضي الله تعالى عنها- قالت : خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب ، فجاء يستفتح الباب ، فأبيت أن أفتح له ، فقال : "أقسمت عليك أن تفتحي" فقلت له : تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي ؟ قال : "ما فعلت ، ولكن وجدت حقنا من بولي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية ، صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما ، فبعث به ، فأخذت في الأكل فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ، ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء ، وطعام مثل طعام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود عن أم كلثوم -رضي الله عنها- قالت : كانت زينب تفلي رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده امرأة عثمان بن مظعون ، ونساء من المهاجرات يشكون منازلهن ، وأنهن يخرجن منه ، ويضيق عليهن فيه ، فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "إنك لست تكلمين بعينك ، تكلمي واعملي عملك" الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 148 ] وروى النسائي وأبو بكر الشافعي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبينها إحدى رجليه في حجري ، والأخرى في حجرها ، فعملت له حريرة أو قال : خزيرة ، قلت : كلي فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها ، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجله من حجرها؛ لتستقيد مني ، وقال لها : لطخي وجهها ، فأخذت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهي ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك . الحديث ، تقدم بتمامه في باب مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها ، قالت : نزل عندي ، وكادت الأمة تهلك في سبي ، فلما سري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعرج الملك ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي : "اذهب إلى ابنتك ، فأخبرها أن الله عز وجل قد أنزل عذرها من السماء" قالت : فأتاني وهو يغدو ويكاد أن يتعثر ، فقال : أبشري يا بنية ، إن الله عز وجل أنزل عذرك من السماء ، فقلت : نحمد الله ولا نحمدك ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك ، ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي ، فقلت بيده هكذا ، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته أمي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو الشيخ عن الأسود بن يزيد قال : سألت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في أهله ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي رأسه ، ويحلب شاته ، ويخيط ثوبه ، ويخدم نفسه ، ويخصف نعله ، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ، ويكون في مهنة أهله ، يعني خدمة أهله ، فإذا سمع المؤذن خرج للصلاة ، وفي لفظ : فإذا حضرته الصلاة قام إلى الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عنها أيضا قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل عمل أهل البيت ، وأكثر ما يعمل للخياطة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "بيت لا تمر فيه جياع أهله ، وبيت لا خل فيه فقار أهله ، وبيت لا صبيان فيه لا خير فيه ، وخيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر الشافعي عن القاسم ، قال : سألت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 149 ] وروى الطبراني عن حبة وسواء ابني خالد ، قال : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا فأعناه عليه ، فقال : لا تيأسا من الرزق ، ما تهزهزت رؤوسكما؛ فإن الإنسان تلده أمه ليس عليه قشر ثم يرزقه الله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بشر الدولابي عن عروة ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته ؟ قالت : كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته ؟ قالت : كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ونحو هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عن عروة قال : سأل رجل عائشة -رضي الله تعالى عنها- هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته ؟ قالت : نعم ، كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن [علي بن زيد بن جدعان ، عن أنس] قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلم على نسائه إذا دخل عليهن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنه- استأذن أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عاليا فأهوى بيده إليها ليلطمها وقال : يا بنية فلانة ، ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر مغضبا ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : يا عائشة ، كيف رأيت أنقذتك من الرجل ، ثم استأذن أبو بكر بعد أن اصطلح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعائشة فقال : ادخلا في السلم كما دخلتما في الحرب ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قد فعلنا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود وابن ماجه ، والدارقطني ، والترمذي ، والنسائي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه ، أظنها عائشة ، وفي رواية النسائي : فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة ، فأرسلت -وفي رواية الترمذي : عائشة من غير شك- فأرسلت إليه بعض أمهات المؤمنين ، وفي رواية النسائي : أم سلمة ، بصحفة فيها طعام ، فضربت التي هو في بيتها ، وفي رواية النسائي : فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة ، فسقطت الصحفة فانفلقت نصفين ، فجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة ، وفي رواية : فأخذ الكسرين فضم إحداهما إلى الأخرى ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول : غارت أمكم ، ثم حبس . وفي لفظ : [ ص: 150 ] أمسك الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفعها إلى التي كسرت صحفتها ، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها ، وقال : طعام بطعام ، وإناء بإناء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن قيس بن وهب عن رجل من بني سراة ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : أما تقرأ القرآن وإنك لعلى خلق عظيم قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه فصنعت له طعاما ، وصنعت له حفصة طعاما ، فسبقتني حفصة ، فقلت للجارية : انطلقي ، فأكفئي قصعتها ، فلحقتها ، وقد هوت أن تضعها بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكفأتها فانكسرت القصعة فانتشر الطعام ، فجمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما فيها من الطعام على الأرض فأكلها ، ثم بعثت بقصعتي ، فرفعها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حفصة ، فقال : خذوا ظرفا مكان ظرف ، وكلوا ما فيها ، فقالت : فما رأيته في وجه رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها- أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فجاءت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة .

                                                                                                                                                                                                                              فجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة ، ويقول : كلوا ، غارات أمكم ، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحفة عائشة ، فبعث بها إلى أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة رضي الله تعالى عنها .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي -وقال : حسن صحيح- عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع نساءه في مرضه فقال : "إن أمركن مما يهمني من بعدي ، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون" . رواه أبو نعيم بلفظ : "سيحفظني منكن الصابرون والصادقون" .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في محادثته -صلى الله عليه وسلم- لهن ، وسمره معهن

                                                                                                                                                                                                                              روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث نساءه حديث الذين خطبوا المرأة ، وجعلوا ذكر صفاتهم إلى أحدهم ليصف لها كل واحد منهم من أحبت فتتزوجه ، بعد أن سمعت صفته ، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في حديثه :


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي ذا البجل إذا رعى القوم عقل     وإذا سعى القوم يسل
                                                                                                                                                                                                                              وإذا عمل القوم اتكل     وإذا ترب الزاد أكل
                                                                                                                                                                                                                              . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 151 ] قالت المرأة : لا حاجة لي بهذا ، هذا رغيب ، قال :


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي ذا البجله     حانوته يخصف نعلي ونعله
                                                                                                                                                                                                                              ويحمل ثقلي وثقله     ويرحل رحلي ورحله
                                                                                                                                                                                                                              ويدرك نبلي ونبله     وإذا حل برمة تقدمت قبله



                                                                                                                                                                                                                              قالت المرأة : هذا حمارك ، لا حاجة لي به ، قال :


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي هذا الأسد     أفتك منزل به اللص ملحد
                                                                                                                                                                                                                              وركابه بحر مزبد     أقبل من رآنا به اللص ملحد
                                                                                                                                                                                                                              وإذ رئي من رأينا لزند يزبد      . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                              قالت : هذا لص ، لا حاجة لي به ، قال :


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي ذا الثمر     صبي خفر شجاع ظفر
                                                                                                                                                                                                                              وهو خير من ذلك إذا سكر      . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                              قالت : هذا سكير ، لا حاجة لي به ، قال :


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي الحممة     يهب المائة البكر السمنة
                                                                                                                                                                                                                              والمائة البقرة الصرمه     والمائة الشاة الزغه

                                                                                                                                                                                                                              أو قال : الذممة .


                                                                                                                                                                                                                              وإذا أتت على عاد ليلة مظلمة     وثب وثوب الكعب ولا هم شرته



                                                                                                                                                                                                                              وقال :


                                                                                                                                                                                                                              اكفوني الميمنه     أكفيكم المشأمه
                                                                                                                                                                                                                              لست فيه لعتمه     إلا أنه ابن أمه



                                                                                                                                                                                                                              قالت المرأة : هذا رغيب يسير ، قد اخترته ، قال لها : كما أنت قد بقي .


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي ذا الحقاق     صفاق أفاق
                                                                                                                                                                                                                              يعمل الناقة والساق     عليه من الله إثم لا يطاق



                                                                                                                                                                                                                              قالت : قد اخترته ، قال : كما أنت فقد بقي


                                                                                                                                                                                                                              خذي من أخي حربنا     أولنا إذا غزونا
                                                                                                                                                                                                                              وآخرنا إذا حمينا     وعصمة آبائنا إذا شتونا
                                                                                                                                                                                                                              وصاحب خطبنا إذا التجينا     ولا يدع فضله علينا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 152 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفاصل خطبة أعتت علينا



                                                                                                                                                                                                                              قالت : قد اخترته ، قال : كما أنت فقد بقيت أنا ، قالت : فحدثني عن نفسك ، قال : أنا لقمان بن عاد ، لعاديه لا يعاد ، إذا اضطجعت أسبع لا أخاط ، ولا يملي ريقي جنبي ولا يماريني إزار ، مطمعا فحل مطمع ، وإن لا مطمع فرقاع بصلع .

                                                                                                                                                                                                                              قالت : لا حاجة لي لك ، أنت سارق وقد أحزنت حزينا .

                                                                                                                                                                                                                              وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما قال : خذي من أخي كذا وكذا ، يقول بعض نسائه ، وفي بعض الطرق أم حبيبة : أخذت هذا يا رسول الله ، فيقول : رويدك فإني لم أفرغ من حديثهم ،
                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : لا تعجلي قد بقي . رواه الحافظ حميد بن زنجويه في كتابه "آداب النبي صلى الله عليه وسلم" .

                                                                                                                                                                                                                              قال : حدثني أنس ، حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وقال أبو محمد بن قتيبة في حديث الحرف : حدثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي ، قال : حدثنا يونس بن إسماعيل ، قال : حدثنا سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "إن لقمان بن عاد خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله" فقالوا : بئس ما صنعت ، خطبت امرأة قد خطبناها قبلك ، وكانوا سبعة ، وهو ثامنهم ، فصالحهم على أن ينعت لهم نفسه ، وإخوته بصدق ، وتختار هي أيهم تشاء . وذكر الحديث بنحوه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في آخر : قال عروة : بلغنا أنها قد تزوجت حزينا . وقال حميد بن زنجويه : حدثني ابن أبي أويس ، حدثني أبي عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة ، وعن يزيد بن بكر الليثي ، عن داود بن حصين ، عن عبيد الله بن عتبة ، وعن عيسى بن عيسى الخياط ، عن عمرو بن شعيب ، قالوا : كان من حديث بني عاد أنهم اجتمعوا جميعا لخطبة امرأة ، فقال أكبرهم : دعيني أصفهم لك ، إخوتي ونفسي ، فوالله لأخبرنك بعلمي فيهم وفي نفسي . قالت المرأة : فخبرني ، فذكره .

                                                                                                                                                                                                                              حديث خرافة : روى ابن أبي شيبة والترمذي وأبو يعلى والبزار والطبراني ، والإمام أحمد -ورجال أحمد ثقات- عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه بحديث ، فقالت امرأة منهن : كان يحدث حديث خرافة ، فقال : أتدرين ؟ ولفظ أحمد عن عائشة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أتدرون ما خرافة ؟ " كان رجلا من عذرة أسرته الجن ، فمكث دهرا ، ثم رجع ، فكان يحدث بما رأى منهم من الأعاجيب ، فقال الناس : حديث خرافة . وفي [ ص: 153 ] رواية : فإذا استرقوا السمع أخبروه ، فيخبر به الناس ، فيجدونه كما قال .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ذم البغي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله ، فقالت إحداهن : كان هذا حديث خرافة . فقال : أتدرين ما خرافة ؟ إن رجلا من بني عذرة أصابته الجن ، فكان فيهم حينا ، فرجع إلى الإنس ، فجعل يحدث بأحاديث تكون في الجن ، لا تكون في الإنس .

                                                                                                                                                                                                                              فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم ، فأمرته أن يتزوج ، فقال : إني أخشى أن أدخل عليك من ذلك مشقة ، أو بعض ما تكرهين ، فلم تدعه حتى زوجته ، فتزوج امرأة لها أم ، فكان يقسم لامرأته ليلة ، ولأمه ليلة ، ليلة عند هذه ، وليلة عند هذه ، وكانت ليلة امرأته ، وأمه وحدها ، فسلم عليها مسلم ، فردت السلام ، فقال : هل من مبيت ؟ قالت : نعم ، قال : هل من عشاء ؟ قالت : نعم ، قال : هل من يحدث بحديث الليلة ؟ قالت : نعم ، أرسل إلى ابني يأتيكم فيحدثكم ، قالوا : فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك ؟ قالت : إبل وغنم ، قال أحدهما لصاحبه : أعط متمنيا ما تمنى ، وإن كان خيرا ، فأصبحت وقد ملئت دارها إبلا وغنما .

                                                                                                                                                                                                                              فرأت ابنها خبيث النفس . قالت : ما شأنك ؟ لعل امرأتك أرادت أن تحولها إلى منزلي وتحولني إلى منزلها ؟ قال : نعم ، قالت : فحولها إلى منزلي ، وحولني إلى منزلها ، فتحولت إلى منزل امرأته ، وتحولت امرأته إلى منزل أمه ، فلبثا ، ثم إنهما عادا والفتى عند أمه ، فسلما فلم ترد السلام ، فقالا : هل من مبيت ؟ قالت : لا ، قالا : فعشاء ؟ قالت : لا ، قالا : فإنسان يحدثنا الليلة ؟ قالت : لا . قالا : فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك ، قالت : هذه السباع ، فقال أحدهما لصاحبه : أعط متمنيا ما تمنى ، إن كان شرا ، فامتلأت عليها دارها سباعا ، فأصبحت وقد أكلت .


                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ : رجاله ثقات ، إلا الراوي له عن ثابت البناني ، وهو سحيم بن مرسويه ، يروي عن عاصم بن علي ، فيحرر حاله .

                                                                                                                                                                                                                              وقال (المفضل) الضبي في كتاب الأمثال ، قال : ذكر إسماعيل الوراق ، عن زياد البكائي ، عن عبد الرحمن بن القاسم (ابن عبد الرحمن بن القاسم) عن أبيه ، القاسم بن عبد الرحمن قال : سألت أبي -يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود- عن حديث خرافة ، قال : بلغني عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- : حدثني بحديث خرافة ، فقال : رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا ، وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته ، فلقيه ثلاث من الجن فأسروه ، فقال واحد : نستعبده ، وقال آخر : نقتله ، وقال آخر : نعتقه ، فمر به رجل منهم .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في اعتزاله -صلى الله عليه وسلم- نساءه -رضي الله تعالى عنهن- لما سألنه النفقة مما [ ص: 154 ] ليس عنده

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن جابر بن عبد الله . قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسا ببابه ، لم يؤذن لأحد منهم . قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن ، فأذن له فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا ، حوله نساؤه ، واجما ساكتا ، قال : فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها . فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال : "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة" .

                                                                                                                                                                                                                              فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها . كلاهما يقول : تسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده . فقلن : والله! لا نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده . ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ، ثم نزلت عليه هذه الآية : يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ للمحسنات منكن أجرا عظيما قال : فبدأ بعائشة .

                                                                                                                                                                                                                              فقال : "يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك" قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية . قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ ! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة . وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت . قال "لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ، ولكن بعثني معلما ميسرا" .


                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية