الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع في بعض مناقب عبيد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في مولده واسمه وكنيته رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              كان أصغر من أخيه عبد الله بسنة .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في كرمه وجوده .

                                                                                                                                                                                                                              كان كريما جميلا وسيما يشبه أباه في الجمال ، وكان سمحا جوادا محمودا مقصدا للوافدين عليه ، وكان يقول : لولا لذة العطاء ما ألبست المحامد ، وجاءه في يوم ستة آلاف ، ففرق الجميع في يومه ذلك ، وكان يذبح في كل يوم جزورا ويطعمه الناس ، فكان أهل المدينة يتغدون ويتعشون عنده ، وهو أول من وضع الموائد على (الطريق) .

                                                                                                                                                                                                                              روي أنه نزل في منزله على خيمة رجل من العرب ، فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله لما رأى من حسنه وشكله ، فقال لامرأته : ويحك ما عندك لضيفنا غداء ، فقالت : ليس عندنا إلا الشويهة التي حياة ابنتك على لبنها ، فقال : إنه لا بد من ذبحها ، قالت : أتقتل ابنتك ؟ قال : وإن كان ذاك ، وأخذ الشفرة والشاة ، وجعل يذبحها ويسلخها ويقول مرتجزا :


                                                                                                                                                                                                                              يا جارتي لا توقظي البنيه إن توقظيها تنتحب عليه     وتنزع الشفرة من يديه



                                                                                                                                                                                                                              ثم هيأها طعاما وحملها ، فوضعها بين يدي عبيد الله ومولاه فعشاهما ، وكان عبيد الله سمع محاورتهما في الشاة ، فلما أراد الارتحال ، قال لمولاه : ويحك ، ما معك من المال ؟ قال خمسمائة دينار فضلت من نفقتك ، فقال : ويحك ، ادفعها للأعرابي ، وعرفه أنه ليس معنا غيرها ، فقال له مولاه : سبحان الله تعطيه خمسمائة دينار وإنما دفع لنا شاة تساوي خمسة دراهم ؟ !! فقال : ويحك ، والله لهو أسخى منا وأجود ، إنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا وآثرنا على مهجة نفسه وولده بجميع ما يملك .

                                                                                                                                                                                                                              روي له حديث واحد في مسند الإمام أحمد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن حبيبا لم يسمع من أبي أيوب ، عن حبيب بن أبي [ ص: 118 ] ثابت -رحمه الله تعالى- أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه حين غزا أرض الروم ، فمر على معاوية فجفاه ، فانطلق ثم رجع من غزوته فجفاه ، ولم يرفع به رأسا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأني أنا سنرى بعده أثرة ، قال معاوية : فبم أمركم ؟ قال : أمرنا بالصبر ، قال : اصبروا إذا ، فأتى عبد الله بالبصرة ، وقد أمره عليها علي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا أيوب إني أريد أن أخرج لك عن سكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا ، وأعطاه كل شيء ، وأغلق عليه الدار ، فلما كان انطلاقه قال : حاجتك ، قال : حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي ، وكان عطاؤه أربعة آلاف ، فأضعفها له خمس مرات ، فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في وفاته رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              قال خليفة بن خياط : توفي سنة ثمان وخمسين بالمدينة ، وقيل : بالشام ، وقيل : باليمن . والله أعلم . وعمره بضع وثمانون سنة .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أولاده رضي الله تعالى عنه

                                                                                                                                                                                                                              كان له عدة أولاد ذكور وإناث ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 119 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية