الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2405 26 - حدثنا زهير بن حرب قال : حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لا أزال أحب بني تميم ح وحدثني ابن سلام قال : أخبرنا جرير بن عبد الحميد ، عن المغيرة ، عن الحارث ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، وعن عمارة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم سمعته يقول : هم أشد أمتي على الدجال ، قال : وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه صدقات قومنا ، وكانت سبية منهم عند عائشة ، فقال : أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وباع " ولكن في بعض طرقه عند الإسماعيلي من طريق معمر ، عن جرير كانت على عائشة رضي الله تعالى عنها نسمة من بني إسماعيل ، فقدم سبي خولان فقالت عائشة : يا رسول الله ، أبتاع منهم ؟ قال : لا ، فلما قدم سبي بني العنبر قال : ابتاعي منهم فإنهم ولد إسماعيل عليه السلام ، ووقع عند أبي عوانة من طريق الشعبي ، عن أبي هريرة أيضا : وجيء بسبي بني العنبر انتهى ، وبنو العنبر بطن من بني تميم ، وقال الرشاطي : العنبري في تميم ينسب إلى العنبر بن عمرو بن تميم ، وذكر ابن الكلبي أن العنبر هذا هو ولد عامر بن عمرو ، وفي تميم أيضا العنبر بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم .

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث أخرجه البخاري عن شيخين له أحدهما عن زهير بن حرب ، عن جرير بفتح الجيم ، وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد ، عن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع ، عن أبي زرعة بضم الزاي ، وسكون الراء ، وفتح العين المهملة ، واسمه هرم ، وقيل : عبد الرحمن ، وقيل : عمرو بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي ، عن أبي هريرة ، والآخر عن محمد بن سلام ، عن جرير ، عن المغيرة بن مقسم ، عن الحارث بن يزيد من الزيادة العكلي بضم العين المهملة ، وسكون الكاف التميمي الكوفي ، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ، وذكر فيه عمارة مقرونا بالحارث ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن زهير بن حرب ، وأخرجه مسلم في الفضائل عن زهير به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " ما زلت أحب بني تميم " هي قبيلة كبيرة في مضر تنسب إلى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، قوله : " منذ ثلاث " ويروى : " مذ ثلاث " أي من حين سمعت الخصال الثلاث ، وهي التي أولها هو قوله : " هم أشد أمتي على الدجال " ، وثانيها هو قوله : " هذه صدقات قومنا " ، وثالثها " أمره صلى الله تعالى عليه وسلم لعائشة بعتق السبية المذكورة " لكونها من ولد إسماعيل عليه السلام ، وزاد فيه أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة : " وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم ، فأحببتهم " انتهى ، وكان ذلك لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة ، قوله : " يقول فيهم " أي في بني تميم ، قوله : " سمعته يقول " أي سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " هم أشد أمتي على الدجال " ، وفي رواية مسلم من رواية الشعبي عن أبي هريرة : " هم أشد الناس قتالا في الملاحم " ، ورواية الشعبي أعم من رواية أبي زرعة على ما لا يخفى ، قوله : " وجاءت صدقاتهم " أي صدقات بني تميم ، فقال : " هذه صدقات قومنا " إنما نسبهم إليه لاجتماع نسبهم بنسبه صلى الله تعالى عليه وسلم في إلياس بن مضر ، وروى الطبراني في الأوسط من طريق الشعبي ، عن أبي هريرة في هذا الحديث : وأتي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بنعم من صدقة بني سعد ، فلما راعه حسنها قال : " هذه صدقة قومي " انتهى ، وبنو سعد بطن كبير من تميم ينتسبون إلى سعد بن زيد بن مناة بن تميم ، قوله : " سبية منهم " أي من بني تميم ، وسبية على وزن فعيلة بفتح السين من السبي ، أو من السباء ، فإن كان من الأول يكون بتشديد الياء آخر الحروف ، وإن كان من الثاني يكون بالهمزة بعد الباء الموحدة ، ولم يدر اسمها ، ووقع عند الإسماعيلي من طريق هارون بن معروف ، عن جرير " نسمة " بفتح النون والسين المهملة ، وهي الإنسان ، وله [ ص: 105 ] من رواية أبي معمر : " وكانت على عائشة نسمة " من بني إسماعيل ، وفي رواية الشعبي عند أبي عوانة : " وكان على عائشة محرر " ، وبين الطبراني في الأوسط في رواية الشعبي أن المراد بالذي كان عليها أنه كان " نذرا " ، ولفظه : نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل ، وللطبراني في الكبير من حديث رديح بضم الراء وفتح الدال وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره حاء مهملة ابن ذؤيب بن شعثم بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة وضم الثاء المثلثة وفي آخره ميم العنبري : أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : يا نبي الله ، إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا ، فجاء فيء بني العنبر ، فقال لها : خذي منهم أربعة ، فأخذت رديحا ، وزبيبا ، وزخيا ، وسمرة ، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رؤوسهم ، وبرك عليهم ، ثم قال : يا عائشة ، هؤلاء من بني إسماعيل قصدا ، وقال بعضهم : والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح ، وإما زخي ، قلت : قال الذهبي في تجريد الصحابة : رديح بن ذؤيب بن شعثم التميمي العنبري مولى عائشة ، روى عنه ابنه عبد الله ، وهذا يدل على أن الذي أعتقته هو رديح بلا ترديد ، وزبيب بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره باء أيضا ، وضبطه العسكري بنون في أوله ، وهو زنيب بن ثعلبة بن عمرو التميمي العنبري ، وروى عنه أبو داود في كتاب القضاء حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا عمار بن شعيب بن عبيد الله بن الزبيب العنبري ، قال : حدثني أبي ، قال : سمعت جدي الزبيب يقول : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى بني العنبر ، فأخذوا بركبة من ناحية الطائف ، واستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فركبت فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته ، أتانا جندك فأخذونا ، وقد كنا أسلمنا " ، الحديث بطوله ، قوله : " بركبة " بضم الراء وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وهو اسم موضع معروف ، وهي غير ركبة التي بين مكة والمدينة ، وأما زخي فبضم الزاي وفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء ومصغر ، وضبطه ابن عون بالراء ، وذكره الذهبي في حرف الزاي ، وقال : زخي العنبري ، وغلط من قال : " رخي " بالراء .

                                                                                                                                                                                  وسمرة هو ابن عمرو بن قرط بضم القاف وسكون الراء ، وقال الذهبي : سمرة بن عمرو العنبري أجاز النبي صلى الله عليه وسلم شهادة له لزبيب العنبري ، ثم قال : سمرة من بلعنبر أعتقته عائشة رضي الله عنها ، قلت : قضية الشهادة في حديث أبي داود الذي ذكرنا منه بعضه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه دليل على جواز استرقاق العرب وتملكهم كسائر فرق العجم إلا أن عتقهم أفضل قال ابن بطال : وتميم كانوا يختارون ما يخرجون في الصدقات من أفضل ما عندهم ، فأعجبه صلى الله عليه وسلم ، فلذلك قال هذا القول على معنى المبالغة في نصحهم لله ولرسوله في جودة الاختيار للصدقة ، وفيه فضيلة ظاهرة لبني تميم ، وكان فيهم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعة من الأشراف ، والرؤساء ، وفيه الإخبار عما سيأتي من الأحوال الكائنة في آخر الزمان .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية