الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2502 11 - حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة : لا تحل لي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب هي بنت أخي من الرضاعة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه حكم الرضاع ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن مسدد عن يحيى القطان ، وأخرجه مسلم في النكاح عن هدبة بن خالد عن همام به ، وعن زهير بن حرب ، وعن محمد بن يحيى القطيعي ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأخرجه النسائي فيه عن عبد الله بن الصباح ، وعن إبراهيم بن محمد التميمي ، وأخرجه فيه ابن ماجه عن حميد بن مسعدة الشامي وأبي بكر محمد بن خلاد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " في بنت حمزة " وهو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو يعلى ، وقيل : أبو عمارة وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب ، وكان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وشهد أحدا وقتل بها يوم السبت النصف من شوال من سنة ثلاث من الهجرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا تحل لي " إنما لم تحل له لأنها كانت بنت أخيه من الرضاع وهو معنى قوله : " هي بنت أخي من الرضاعة " .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " قال الخطابي : اللفظ عام ومعناه خاص ، وتفصيله أن الرضاع يجري عمومه في تحريم نكاح المرضعة وذوي أرحامها على الرضيع مجرى النسب ، ولا يجري في الرضيع وذوي أرحامه مجراه ، وذلك أنه إذا أرضعته صارت أما له يحرم عليه نكاحها ونكاح محارمها ، وهي لا تحرم على أبيه ولا على ذوي أنسابه غير أولاده ، فيجري الأمر في هذا الباب عموما على أحد الشقين ، وخصوصا في الشق الآخر ، وفي ( التوضيح ) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لفظ عام لا يستثنى منه شيء .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : يستثنى منه أشياء منها أنه يجوز أن يتزوج بأم أخيه وأخت ابنه من الرضاع ولا يجوز أن يتزوج بهما من النسب لأن أم أخيه من النسب تكون أمه أو موطوءة أبيه بخلاف الرضاع ، وأخت ابنه من النسب ربيبته أو بنته بخلاف الرضاع ، ويجوز أن يتزوج بأخت أخيه من الرضاع كما يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب ذلك مثل الأخ من الأب إذا كان له أخت من الأم جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها ، وكل ما لا يحرم من النسب لا يحرم من الرضاع ، وقد يحرم من النسب ما لا يحرم من الرضاع كما ذكرنا من الصورتين ، ومنها أنه يجوز له أن يتزوج بأم حفيده من الرضاع دون النسب ، ومنها أنه يجوز أن يتزوج بجدة ولده من الرضاع دون النسب ، ومنها أنه يجوز لها أن تتزوج بأب أخيها من الرضاع ولا يجوز ذلك من النسب ، ومنها أنه يجوز له أن يتزوج أم عمه من الرضاع دون النسب ، ومنها أنه يجوز له أن يتزوج أم خاله من الرضاع دون النسب ، ومنها أنه يجوز لها أن تتزوج بأخ ابنتها من الرضاع دون النسب .

                                                                                                                                                                                  وفيه إثبات التحريم بلبن الفحل ، واختلف أهل العلم قديما في لبن الفحل ، وكان الخلاف قديما منتشرا في زمن الصحابة والتابعين ، ثم أجمعوا بعد ذلك إلا القليل منهم أن لبن الفحل يحرم ، فأما من قال من [ ص: 205 ] الصحابة بالتحريم : ابن عباس وعائشة على اختلاف عنها ، ومن التابعين عروة بن الزبير وطاوس وابن شهاب ومجاهد وأبو الشعثاء جابر بن زيد والحسن والشعبي وسالم والقاسم بن محمد وهشام بن عروة على اختلاف فيه ، ومن الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وإسحاق وأبو ثور . وأما من رخص في لبن الفحل ولم يره محرما فقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وجابر ورافع بن خديج وعبد الله بن الزبير ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وأخوه عطاء بن يسار ومكحول وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وإياس بن معاوية ، ومن الأئمة : إبراهيم بن علية وداود الظاهري فيما حكاه عنه ابن عبد البر في ( التمهيد ) ، والمعروف عن داود خلافه ، وقال القاضي عياض : لم يقل أحد من أئمة الفقهاء وأهل الفتوى بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر وابن علية ، والمعروف عن داود موافقة الأئمة الأربعة في ذلك ، حكاه ابن حزم عنه في ( المحلى ) ، وكذا ذهب إليه ابن حزم فلم يبق ممن خالف فيه إذا إلا ابن علية .

                                                                                                                                                                                  واعلم أنهم أجمعوا على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع وأولاد المرضعة ، ومذهب كافة العلماء ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين زوج المرأة ، ويصير ولدا له وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته ، ويكون إخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته ، ويكون أولاد الرضيع أولادا للرجل ، ولم يخالف في هذا إلا ابن علية كما ذكرنا ، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب ، واحتج الجمهور بحديث الباب وغيره من الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة ، وأجابوا عما احتجوا به من الآية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه لو لم يعارضه دليل آخر ، كيف وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في ذلك ؟




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية