الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2475 50 - حدثنا أبو النعمان قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل مع أحد منكم طعام ؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بيعا أم عطية ؟ أو قال : أم هبة ؟ قال : لا ، بل بيع . فاشترى منه شاة فصنعت ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - البطن أن يشوى ، وايم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز بسواد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حزة من سواد بطنها ; إن كان شاهدا أعطاها إياه ، وإن كان غائبا خبأ له ، فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ، ففضلت القصعتان فحملناه على البعير - أو كما قال .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " أم عطية ؟ " ، والعطية تطلق على الهدية وعلى الهبة ، ولهذا قال : أم هبة ؟

                                                                                                                                                                                  وفيه دلالة على جواز قبول هدية المشرك ; لأنه لو لم يجز لما قال صلى الله عليه وسلم " أم عطية " .

                                                                                                                                                                                  وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري ، والمعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي البصري يروي عن أبيه ، وأبو عثمان هو عبد الرحمن بن مل النهدي - بالنون - الكوفي سكن [ ص: 172 ] البصرة ، أدرك الجاهلية وأسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصدق به ولم يره ، مات سنة إحدى وثمانين بالبصرة وهو ابن أربعين ومائة سنة .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب البيوع في باب الشراء والبيع مع المشركين .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإذا مع رجل ) ، كلمة " إذا " للمفاجأة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أو نحوه ) بالرفع عطف على الصاع ، والضمير فيه يرجع إلى الصاع .

                                                                                                                                                                                  قوله ( مشعان ) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبالعين المهملة وفي آخره نون مشددة ، وقال الكرماني : ويروى بكسر الميم . وقال : هو ثائر الرأس أشعث . وقال القزاز : هو الحافي الثائر الرأس . وفي بعض الرواية وقع بعد قوله " مشعان طويل " جدا فوق الطول - وهو تفسير البخاري ، وقع في رواية المستملي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بيعا أم عطية ؟ ) منصوبان بفعل مقدر تقديره تبيع بيعا أو تعطي عطية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أو قال ) شك من الراوي في أنه قال عطية أم هبة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فاشترى منه ) ; أي من الرجل ، وفي رواية الكشميهني " فاشترى منها " ; أي من الغنم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فصنعت ) ; أي ذبحت .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بسواد البطن ) هو الكبد ، قاله النووي . وقال الكرماني : اللفظ أعم منه ، يعني يتناول كل ما في البطن من كبد وغيره . قلت : الذي قاله النووي أقوى في المعجزة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وايم الله ) قسم ; يعني من ألفاظ القسم نحو لعمر الله وعهد الله ، وفيه لغات كثيرة ، وتفتح همزتها وتكسر ، وهي همزة وصل وقد تقطع ، وأهل الكوفة من النحاة يزعمون أنه جمع يمين ، وغيرهم يقولون هي اسم موضوع للقسم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حز ) بالحاء المهملة والزاي ، معناه قطع .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حزة ) بضم الحاء المهملة ، وهي القطعة من اللحم وغيره . وقال الكرماني : ويروى بفتح الجيم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أعطاها إياه ) ; أي أعطى الحزة إياه ، أي الشاهد ، أي الحاضر . وقال بعضهم : هو من القلب ، وأصله أعطاه إياها . قلت : لا حاجة إلى دعوى القلب فيه ، بل العبارتان سواء في الاستعمال .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أجمعون ) بالرفع تأكيد للضمير الذي في " أكلوا " ، ثم إنه يحتمل الوجهين ; أحدهما أنهم اجتمعوا كلهم على القصعتين فأكلوا مجتمعين وفيه معجزة أخرى وهي اتساع القصعتين حتى تمكنت منها أيادي القوم كلهم ، والوجه الآخر أنهم أكلوا كلهم من القصعتين على أي وجه كان .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فحملناه ) ; أي الطعام ، ولو أريد القصعتان لقيل حملناهما ، وفي الأطعمة " وفضل في القصعتين " ، وكذا في رواية مسلم ، فالضمير حينئذ يرجع إلى القدر الذي فضل .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أو كما قال ) شك من الراوي .

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : قالوا فيه معجزتان ; إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد ، والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين ففضلت فضلة حملوها لعدم الحاجة إليها . قلت : فيه أربع معجزات ; الأولى : تكثير الصاع ، والثانية : تكثير سواد البطن ، والثالثة : اتساع القصعتين لتمكن أيادي هؤلاء العدد ، والرابعة : الفضلة التي فضلت بعد شبعهم واكتفائهم .

                                                                                                                                                                                  وفيه المواساة بالطعام عند المسبغة وتساوي الناس في ذلك ، وفيه ظهور البركة عند الاجتماع على الطعام ، وفيه تأكيد الخبر بالقسم وإن كان المخبر صادقا ، وقال بعضهم : وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي ; لأن هذا الأعرابي كان وثنيا . قلت : ليس فيه شيء يدل على أنه كان وثنيا ، فإن قال علم ذلك من الخارج فعليه البيان .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية