الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2393 14 - حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، عن محمد بن بشر ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما أقبل يريد الإسلام ومعه غلامه ضل كل واحد منهما من صاحبه ، فأقبل بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، هذا غلامك قد أتاك ، فقال : أما أني أشهدك أنه حر ، قال : فهو حين يقول :


                                                                                                                                                                                  يا ليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت



                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " أما أني أشهدك أنه حر " ، وهذا الحديث من أفراده ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد الأحمسي البجلي ، واسم أبي خالد سعد ، وقيس هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي ، واسمه عوف قدم المدينة بعدما قبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهؤلاء كلهم كوفيون .

                                                                                                                                                                                  قوله : " يريد الإسلام " جملة حالية ، وكذلك قوله : " ومعه غلامه " جملة حالية اسمية أي : ومع أبي هريرة ، قوله : " ضل " أي تاه كل واحد منهما ذهب إلى ناحية ، وفسره الكرماني بقوله : ضاع ، وتبعه بعضهم على ذلك ، وليس معناه إلا ما ذكرناه ، قوله : " أما " بفتح الهمزة وتخفيف الميم ، وتستعمل هذه الكلمة على وجهين أحدهما : أن تكون حرف استفتاح بمنزلة " ألا " ، والثاني : أن تكون بمعنى " حقا " و" أما " هنا على هذا المعنى ، قوله : " أني " بفتح الهمزة كما تفتح الهمزة بعد قولهم : حقا ، لأنها بمعناه ، قوله : " فهو حين يقول " أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة ، قوله : " يا ليلة " هذا من بحر الطويل ، وقد دخله الخرم بالخاء المعجمة المفتوحة ، وسكون الراء وهو حذف الحرف من أول الجزء ، وللطويل ثمانية أجزاء ، وقد حذف الحرف من أول جزئه ، وهو يا ليلة ، لأن تقديره : فيا ليلة ، لأن وزنه فيالي فعولن لة من طو مفاعيلن لها و فعول عنائها مفاعلن ، وفيه القبض ، وقول الكرماني : ولا بد من زيادة واو أو فاء في أول البيت ليكون موزونا ، كلام من لم يقف على علم العروض لأن ما جاز حذفه كيف يقال فيه لا بد من إثباته ، قوله : " عنائها " بفتح العين المهملة وبتخفيف النون وبالمد أي تعبها ومشقتها ، قوله : " دارة [ ص: 91 ] الكفر " هي دار الحرب ، والدارة أخص من الدار ، ويروى " داره " بالإضافة إلى الضمير ، وحينئذ يكون الكفر بدلا منه بدل الكل من الكل ، وكثيرا ما تستعمل الدارة في أشعار العرب كما قال امرؤ القيس :

                                                                                                                                                                                  ولا سيما يوم بدارة جلجل



                                                                                                                                                                                  ودارات كثيرة ، وقال أبو حاتم عن الأصمعي : الدارة جوفة تحف الجبال ، وقال عنه في موضع آخر : الدارة رمل مستدير قدر ميلين تحفه الجبال ، وقال الهجري : الدارة النبكة السهلة حفتها جبال ، ومقدار الدارة خمسة أميال في مثلها ، ( قلت ) : النبكة بفتح النون والباء الموحدة والكاف وهي أكمة محددة الرأس ، ويجمع على نبك بالتحريك ، ( فإن قلت ) : الشعر لمن ( قلت ) : ظاهره أنه لأبي هريرة ، ولكنه غير مشهور بالشعر ، وحكى ابن التين أنه لغلامه ، وحكى الفاكهي في كتاب مكة عن مقدم بن حجاج السوائي أن البيت المذكور لأبي مرثد الغنوي في قصة له ، فإذا كان كذلك يكون أبو هريرة قد تمثل به ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  وقال المهلب : لا خلاف بين العلماء فيما علمت إذا قال رجل لعبده هو حر ، أو هو حر لوجه الله ، أو هو لله ، ونوى العتق أنه يلزمه العتق ، وكل ما يفهم به عن المتكلم أنه أراد به العتق لزمه ، ونفذ عليه ، وروى ابن أبي شيبة ، عن هشيم ، عن مغيرة أن رجلا قال لغلامه : أنت لله ، فسئل الشعبي ، والمسيب بن رافع ، وحماد بن أبي سليمان ، فقالوا : هو حر ، وعن إبراهيم كذلك ، وقال إبراهيم : وإن قال : إنك لحر النفس فهو حر ، وعن الحسن إذا قال : ما أنت إلا حر نيته ، وعن الشعبي مثله .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : فيه العتق عند بلوغ الأمل والنجاة مما يخاف كما فعل أبو هريرة حين أنجاه الله من دار الكفر ، ومن ضلاله في الليل عن الطريق ، وكان إسلام أبي هريرة في سنة ست من الهجرة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية