الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2414 35 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقل أحدكم أطعم ربك ، وضئ ربك ، اسق ربك ، وليقل : سيدي مولاي ، ولا يقل أحدكم : عبدي أمتي ، وليقل : فتاي وفتاتي وغلامي .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ولا يقل : أحدكم عبدي أمتي " فإن من جملة الترجمة قوله : عبدي وأمتي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول : محمد لم يذكر محمد هذا منسوبا في أكثر الروايات إلا في رواية أبي علي بن شبويه ، فقال : حدثنا محمد بن سلام ، وكذا حكاه الجياني عن رواية ابن السكن ، وحكي عن الحاكم أنه الذهلي ، وقد أخرج مسلم هذا الحديث في الأدب عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، ولا يبعد أن يكون محمد هذا هو محمد بن رافع لأنه روى عنه أيضا في الصحيح ، الثاني : عبد الرزاق بن همام ، الثالث : معمر بن راشد ، الرابع : همام بن منبه ، الخامس : أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإخبار كذلك في موضع ، وفيه العنعنة في موضع ، وفيه السماع ، وفيه تحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو بهذه الصيغة نادر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أطعم " بفتح الهمزة أمر من الإطعام ، وربك منصوب مفعوله ، قوله : " وضئ " أمر من وضأه يوضئه ، قوله : " اسق " بكسر الهمزة أمر من سقاه يسقيه تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج ، قوله : " وليقل سيدي ومولاي " وقال الكرماني : السياق يقتضي أن يقال : سيدك ومولاك لتناسب ربك ، ( قلت ) : الأول خطاب للسادات والثاني للمماليك ، أي لا يقول السيد للمملوك : أطعم ربك ، إذ فيه نوع من التكبر ، ولا يقول العبد أيضا [ ص: 113 ] لفظا يكون فيه نوع تعظيم له بل يقول : أطعمت سيدي ومولاي ونحوه ، ( فإن قلت ) : روى مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه ، وزاد : " ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله " ، ( قلت ) : اختلفوا في هذه الزيادة على الأعمش منهم من ذكرها ومنهم من حذفها ، وقال عياض : حذفها أصح ، وقال القرطبي : المشهور حذفها ، قال : وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع ، وعدم العلم بالتاريخ وسبب النهي عن قول : أطعم ربك ، ونحوه ما ذكرناه في أوائل الكتاب ، وقال ابن بطال : لا يجوز أن يقال لأحد غير الله : رب ، كما لا يجوز أن يقال : إله ، ( قلت ) : النهي عند الإطلاق وأما بالإضافة فيجوز كما في : اذكرني عند ربك ونحو ذلك ، ويحتمل أن يكون النهي للتنزيه وما ورد من ذلك فلبيان الجواز ، وقيل : هو مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يرد ما في القرآن إذ المراد النهي عن الإكثار من ذلك ، واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادة ، وليس المراد النهي عن ذكرها في الجملة ، فإن قلت : ذكر قوله : " أطعم ربك وضئ ربك اسق ربك " أمثلة تدل على التخصيص أم لا ؟ قلت : لا ، وإنما ذكرت دون غيرها لغلبة استعمالها في المخاطبات ، قوله : " ولا يقل أحدكم : عبدي أمتي " ، زاد مسلم في روايته من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة : " كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله " ، فأرشد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى العلة لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله عز وجل ، ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه ، قوله : " وليقل : فتاي وفتاتي " ، زاد مسلم : " وجاريتي " ، فأرشد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى ما يؤدي المعنى مع السلامة من التعاظم لأن لفظ الفتى والغلام لا يدل على محض الملك كدلالة العبد فقد كثر استعمال الفتى في الحر ، وكذلك الغلام والجارية ، وقال النووي : المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية