الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  " وقول الله " مجرور عطفا على قوله : " شهادة القاذف " وأوله قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي به رموا المحصنات ، وذكر الرامي لا يدل على الزنا إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر ، فلا بد من قرينة دالة على التعيين ، وقد اتفق العلماء على أن المراد الرمي بالزنا لقرائن دلت عليه وهي تقدم ذكر الزنا ، وذكر المحصنات التي هي العفائف يدل على أن المراد الرمي بضد العفاف ، وقوله : ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ومعلوم أن الشهود غير مشروط إلا في الزنا ، والإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا .

                                                                                                                                                                                  قوله : فاجلدوهم الخطاب للأئمة .

                                                                                                                                                                                  قوله : إلا الذين تابوا هذا استثناء منقطع لأن التائبين غير داخلين في صدر الكلام وهو قوله : وأولئك هم الفاسقون إذ التوبة تجب ما قبلها من الذنوب فلا يكون التائب فاسقا ، وأما شهادته فلا تقبل أبدا عند الحنفية لأن رد الشهادة من تتمة الحد لأنه يصلح جزاء ، فيكون مشاركا للأول في كونه حدا ، وقوله : وأولئك هم الفاسقون لا يصلح جزاء لأنه ليس بخطاب للأئمة بل هو إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين ، فلا يصلح أن يكون من تمام الحد لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستئناف منقطع عما قبله لعدم صحة عطفه على ما سبق ، لأن قوله : وأولئك هم الفاسقون جملة إخبارية ليس بخطاب للأئمة ، وما قبله جملة إنشائية خطاب للأئمة ، وكذا قوله : ولا تقبلوا جملة إنشائية خطاب للأئمة فيصلح أن يكون عطفا على قوله : فاجلدوا والشافعي رحمه الله قطع قوله : ولا تقبلوا عن قوله : فاجلدوا مع دليل الاتصال وهو كونه جملة إنشائية صالحة للجزاء مفوضة إلى الأئمة مثل الأولى وواصل قوله : وأولئك هم الفاسقون مع قيام دليل الانفصال وهو كونه جملة اسمية غير صالحة للجزاء ، ثم إنه إذا تاب قبلت شهادته عند الشافعي ، وعند أبي حنيفة رد شهادته يتعلق باستيفاء الحد ، فإذا شهد قبل الحد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادته ، فإذا استوفي لم تقبل شهادته أبدا وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء ، وعند الشافعي رد شهادته متعلق بنفس القذف ، فإذا تاب عن القذف بأن يرجع عنه عاد مقبول الشهادة ، وكلاهما متمسك بالآية على الوجه الذي ذكرناه ، وقال الشافعي : التوبة من القذف إكذابه نفسه ، وقال الإصطخري : معناه أن يقول : كذبت فلا أعود إلى مثله ، وقال أبو إسحاق : لا يقول كذبت لأنه ربما كان صادقا فيكون قوله : كذبت كذبا ، والكذب معصية والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى ، بل يقول : القذف باطل ندمت على ما قلت ورجعت عنه ، ولا أعود إليه .

                                                                                                                                                                                  قوله : وأصلحوا قال أصحابنا : إنه بعد التوبة لا بد [ ص: 208 ] من مضي مدة عليه في حسن الحال حتى قدروا ذلك بسنة لأن الفصول الأربعة يتغير فيها الأحوال والطبائع كما في العنين .

                                                                                                                                                                                  قوله : فإن الله غفور رحيم يقبل التوبة من كرمه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية