الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2323 28 - حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا شعبة ، عن جبلة : كنا بالمدينة في بعض أهل العراق ، فأصابتنا سنة ، فكان ابن الزبير يرزقنا التمر ، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يمر بنا ، فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران ، إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه . .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه " ، وجبلة بالجيم والباء الموحدة واللام المفتوحات ابن سحيم ، بضم السين المهملة ، وفتح الحاء المهملة ، الشيباني .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن آدم ، وفي الشركة عن أبي الوليد ، وأخرجه مسلم في الأطعمة عن محمد بن المثنى ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وعن بندار ، وعن زهير بن حرب ، ومحمد بن المثنى أيضا ، وأخرجه أبو داود فيه عن واصل بن عبد الأعلى ، وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان ، وأخرجه النسائي في الوليمة عن علي بن خشرم ، وعن محمد بن عبد الأعلى ، وعن عبد الحميد بن محمد ، وأخرجه ابن ماجه في الأطعمة عن بندار ، وروى أحمد من حديث الحسن عن سعد مولى أبي بكر ، قال : قدمت بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تمرا فجعلوا يقرنون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقرنوا . ورواه ابن ماجه أيضا عن سعد مولى أبي بكر ، ولفظه : وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعجبه خدمته أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران . يعني في التمر ، وروى البزار في ( مسنده ) من حديث الشعبي ، عن أبي هريرة قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا بين أصحابه ، فكان بعضهم يقرن ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن إلا بإذن صاحبه . ورواه الحاكم في ( المستدرك ) بلفظ : كنت في الصفة ، فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم تمر عجوة ، فسكبت بيننا فكنا نقرن الثنتين من الجوع ، فكنا إذا قرن أحدنا قال لأصحابه : إني قد قرنت فاقرنوا ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث أبي طلحة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " في بعض أهل العراق " ، وعند الترمذي في بعث أهل العراق . قوله : " سنة " ، أي : غلاء وجدب . قوله : " فكان ابن الزبير " ، أي : عبد الله بن الزبير بن العوام . قوله : " نهى عن الإقران " ، بكسر الهمزة من الثلاثي المزيد ، فيه قال ابن التين : كذا وقع في البخاري رباعيا ، والمعروف خلافه ، والذي في اللغة ثلاثي ، وقال القرطبي : كذا لجميع رواة مسلم [ ص: 3 ] الإقران ، وليست معروفة ، والصواب القران ثلاثي وقال الفراء : لا يقال : أقرن ، وقال غيره : إنما يقال : أقرن على الشيء إذا قوي عليه وأطاقه ، ومنه قوله تعالى : وما كنا له مقرنين أي : مطيقين ، وفي ( الصحاح ) أقرن الدم العرق واستقرن ، أي : كثر ، فيحتمل أن يكون الإقران في هذا الحديث على ذلك ، ويكون معناه النهي عن الإكثار من أكل التمر إذا كان مع غيره ، ويرجع معناه إلى القران المذكور في الرواية الأخرى ، ونقل المنذري عن أبي محمد المعافري أنه يقال : قرن بين الشيئين وأقرن إذا جمع بينهما . قوله : " إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه " . قال الخطيب : هذا من قول ابن عمر وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم : بين ذلك آدم بن أبي إياس وشبابة بن سوار عن شعبة ، وقال عاصم بن علي : أرى الإذن من قول ابن عمر ، قيل : يرد على هذا ما أخرجه البخاري بعد من حديث جبلة بن سحيم ، سمعت ابن عمر يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه . ( قلت ) : احتمال الإدراج باق فيه أيضا فليتأمل .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه فيه النهي عن الإقران ، قال أبو موسى المديني في كتابه ( المغيث ) : للنهي عن القران وجهان : الأول : ذهبت عائشة وجابر رضي الله عنهما إلى أنه قبيح ، وفيه شره وهلع وهو يزري بصاحبه . الثاني : كان التمر من جهة ابن الزبير ، وكان ملكهم فيه سواء ، فيصير الذي يقرن أكثر أكلا من غيره ، فأما إذا كان التمر ملكا له فله أن يأكل كما شاء ، كما روي أن سالما كان يأكل التمر كفا كفا وقيل : إذا كان الطعام بحيث يكون شبعا للجميع كان مباحا له لو أكله ، وجاز له أن يأكل كما شاء ، وقال القرطبي : وحمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم مطلقا ، قال : وهو منهم ذهول عن مساق الحديث ومعناه . وحمله جمهور الفقهاء على حالة المشاركة بدليل مساق الحديث ، وقال النووي : واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب ، والصواب التفصيل كما سبق .

                                                                                                                                                                                  واختلف العلماء فيما يملك من الطعام حين وضعه ، فإن قلنا : إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم ، فيحرم أن يأكل أحد أكثر من الآخر ، وإن قلنا : إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه فهو سوء أدب وشره ودناءة ويكون مكروها . وقال ابن التين : وحمله بعضهم على ما إذا استوت أثمانهم فيه مثل أن يتخارجوا في ثمنه أو يهبه لهم رجل ، أو يوصي لهم به ، وأما إن أطعمهم هو ، فروى ابن نافع عن مالك : لا بأس به ، وفي رواية ابن وهب : ليس بجميل أن يأكل تمرتين أو ثلاثا في لقمة دونهم ، فإن قلت : روى البزار والطبراني في ( الأوسط ) من رواية يزيد بن زريع ، عن عطاء الخراساني ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " كنت نهيتكم عن الإقران في التمر ، فإن الله قد وسع عليكم فاقرنوا " . ( قلت ) : هذا الحديث رواه ابن شاهين أيضا في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) ثم قال : الحديث الذي فيه النهي عن الإقران صحيح الإسناد ، والذي فيه الإباحة ليس بذاك القوي ; لأن في سنده اضطرابا ، وإن صح فيحمل على أنه ناسخ للنهي ، وقال الحازمي : وذكر الحديثين إسناد الأول أصح وأشهر من الثاني ، غير أن الخطب في هذا الباب يسير ; لأنه ليس من باب العبادات والتكاليف ، وإنما هو من قبيل المصالح الدنياوية ، فيكفي في ذلك الحديث الثاني ، ثم يشيده إجماع الأمة على خلاف ذلك ، وقيل : إن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إنما نهى عن ذلك حيث كان العيش زهيدا ، والقوت متعذرا ، مراعاة لجانب الفقراء والضعفاء والمساكين ، وحثا على الإيثار والمواساة ، ورغبة في تعاطي أسباب المعدلة حالة الاجتماع والاشتراك ، فلما وسع الله الخير وعم العيش الغني والفقير قال : فشأنكم إذا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية