الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2428 2 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال : حدثنا ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة : ابن أختي ، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، فقلت : يا خالة ، ما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كانت لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من ألبانهم ، وذلك لأنهم كانوا يهدون إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من ألبان منايحهم ، وفي الهدية معنى الهبة على معناها اللغوي .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول : عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بضم الهمزة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة ونسبته إليه ، الثاني : عبد العزيز بن أبي حازم ، واسمه سلمة بن دينار ، الثالث : أبوه سلمة بن دينار ، الرابع : يزيد من الزيادة ابن رومان بضم الراء أبو روح مولى آل الزبير بن العوام ، الخامس : عروة بن الزبير بن العوام ، السادس : عائشة أم المؤمنين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه أن شيخه من أفراده وأنه منسوب إلى أحد أجداده ، وفيه أن رواته كلهم مدنيون ، وفيه رواية الراوي عن خالته ، وفيه ثلاثة [ ص: 127 ] من التابعين على نسق واحد ، الأول : أبو حازم سلمة ، والثاني : يزيد بن رومان ، والثالث : عروة ، وفيه رواية الراوي عن أبيه ، والحديث رواه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " ابن أختي " يعني يا ابن أختي ، وحرف النداء محذوف ، وفي رواية مسلم : والله يا ابن أختي ، وأم عروة أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وهي أخت عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم ، قوله : " إن كنا " " إن " هذه مخففة من " إن " المثقلة ، فتدخل على الجملتين ، فإن دخلت على الاسمية جاز إعمالها خلافا للكوفيين ، وإن دخلت على الفعلية وجب إهمالها ، والأكثر أن يكون الفعل ماضيا ناسخا ، وههنا كذلك لأنها دخلت على الماضي الناسخ ، لأن كان من النواسخ واللام في " لننظر " عند سيبويه والأكثرين لام الابتداء دخلت لتوكيد النسبة وتخليص المضارع للحال ، وللفرق بين " أن " المخففة من المثقلة ، و" أن " النافية ، ولهذا صارت لازمة بعد أن كانت جائزة ، وزعم أبو علي ، وأبو الفتح ، وجماعة أنها لام غير لام الابتداء اجتلب للفرق ، قوله : " ثلاثة أهلة " بالنصب تقديره : نرى ثلاثة أهلة ونكملها في شهرين ، باعتبار رؤية الهلال في أول الشهر الأول ، ثم برؤيته في أول الشهر الثاني ، ثم برؤيته في أول الشهر الثالث فيصدق عليه ثلاثة أهلة ، ولكن المدة ستون يوما ، وفي الرقاق من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه بلفظ : كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا ، وفي رواية ابن ماجه من طريق أبي سلمة عن عائشة بلفظ : لقد كان يأتي على آل محمد الشهر ما يرى في بيت من بيوته الدخان ، قوله : " وما أوقدت " على صيغة المجهول من الإيقاد ، قوله : " يا خالة " بضم التاء لأنه منادى مفرد ، قوله : " ما كان يعيشكم " بضم الياء من أعاشه الله تعالى عيشة ، وقال النووي : بفتح العين وكسر الياء المشددة ، قال : وفي بعض النسخ المعتمدة يعني في نسخ مسلم : فما كان يقيتكم ، من القوت صرح بذلك القونوي في مختصر شرح مسلم ، وقال بعضهم : وفي بعض النسخ " ما يغنيكم " بسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة انتهى ، ( قلت ) : كأنه صحف عليه فجعله من الإغناء ، وليس هو إلا من القوت ، فعلى قوله تكون هذه رواية رابعة فتحتاج إلى البيان ، قوله : " الأسودان الماء والتمر " وهو من باب التغليب إذ الماء ليس أسود ، وأطلقت عائشة على التمر أسود لأنه غالب تمر المدينة ، وقال ابن سيده : فسر أهل اللغة الأسودين بالماء والتمر ، وعندي أنها إنما أرادت الحرة والليل ، قيل لهما : الأسودان لاسودادهما ، وذلك أن وجود التمر والماء عندهم شبع وري وخصب ، وإنما أرادت عائشة أن تبالغ في شدة الحال بأن لا يكون معها إلا الليل والحرة ، وهذا أذهب في سوء الحال من وجود التمر والماء ، وقيل : الأسودان الماء واللبن ، وضاف مرثد المدني رضي الله تعالى عنه قوما فقال لهم : ما لكم عندنا إلا الأسودان ، قالوا : إن في ذلك لمقنعا الماء والتمر ، فقال : ما ذلك أردت والله ، إنما أردت الحرة والليل ، ( قلت ) : الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء البقل الذي يؤكل غير مطبوخ ، قوله : " منائح " جمع منيحة بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره حاء مهملة وهي ناقة أو شاة تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها عليك ، وقد تكون المنيحة عطية للرقبة بمنافعها مؤبدة مثل الهبة ، وقال الفراء : منحته منيحة وهي الناقة والشاة يعطيها الرجل لآخر يحلبها ثم يردها ، وزعم بعضهم أن المنيحة لا تكون إلا ناقة ، وقال أبو عبيد : المنيحة عند العرب على وجهين أن يعطي الرجل صاحب صلة فيكون له ، وأن يمنحه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها وصوفها زمنا ، ثم يردها ، وقال إبراهيم الحربي : العرب تقول : منحتك الناقة ، وأنحلتك الوبر ، وأعريتك النخلة ، وأعمرتك الدار ، وهذه كلها هبة منافع يعود بعدها مثلها ، قوله : " يمنحون " من المنح وهو العطاء ، يقال : منحه يمنحه من باب فتحه يفتحه ، ومنحه يمنحه من باب ضربه يضربه ، والاسم المنحة بالكسر وهي العطية ، وفي الحديث زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والصبر على التقلل ، وأخذ البلغة من العيش ، وإيثار الآخرة على الدنيا ، وفيه حجة لمن آثر الفقر على الغنى ، وفيه أن السنة مشاركة الواجد المعدم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية