الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2348 53 - حدثنا عبد الله بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب ، قال : حدثني أبو الأسود ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : لا مطابقة بين الحديث والترجمة ; لأن المقاتلة لا تستلزم القتل ، والشهادة مرتبة على القتل . ( قلت ) : قد ذكرت الآن أن تقدير الترجمة من قاتل دون ماله فقتل فماذا حكمه ، فالجواب أنه شهيد ، واقتصر في الحديث على لفظ قتل ; لأنه يستلزم المقاتلة ، وبهذا تتضح المطابقة ، وقيل أيضا : ما وجه إدخال هذا الحديث في هذه الأبواب ؟ وأجيب بأنه يدل أن للإنسان أن يدفع من قصد ماله ظلما ، فإذا قتل صار شهيدا ، وهذا النوع داخل في المظالم ; لأن فيه دفع الظلم فافهم .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة : الأول : عبد الله بن يزيد من الزيادة ، القرشي العدوي ، أبو عبد الرحمن المقري القصير مولى آل عمر بن الخطاب [ ص: 34 ] رضي الله تعالى عنه . الثاني : سعيد بن أبي أيوب ، واسمه مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يحيى ، وقد مر في التهجد . الثالث : أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة مر في الغسل . الرابع : عكرمة مولى ابن عباس . الخامس : عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه السماع ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه سكن مكة ، وأصله من ناحية البصرة ، وقيل : من ناحية الأهواز ، وأن سعيد بن أبي أيوب مصري ، وأن أبا الأسود وعكرمة مدنيان ، وفيه : عن عكرمة ، عن عبد الله . وفي رواية الطبراني ، عن أبي الأسود ، أن عكرمة أخبره ، وليس لعكرمة ، عن عبد الله بن عمرو في البخاري غير هذا الحديث الواحد .

                                                                                                                                                                                  ذكر الاختلاف في متن هذا الحديث ، روى البخاري هذا الحديث عن المقري ، فقال : فهو شهيد ، ودحيم ، وابن أبي عمر ، وعبد العزيز بن سلام كلهم رووه عن المقري ، فقالوا : فله الجنة ، وكلهم قالوا : مظلوما ، ولم يقله البخاري ، والأشبه أن يكون نقله من حفظه أو سمعه من المقري من حفظه ، فجاء في الحديث على ما جرى به اللفظ في هذا الباب ، ومن جاء به على غير ما اعتيد من اللفظ فيه فهو بالحفظ أولى ، ولا سيما فيهم مثل دحيم ، وكذلك ما زادوه من قوله : " مظلوما " ، فإن المعنى لا يجوز إلا أن يكون كذلك ، ورواه أبو نعيم في ( مستخرجه ) ، عن محمد بن أحمد ، عن بشر بن موسى ، عن عبد الله بن يزيد المقري بلفظ : من قتل دون ماله مظلوما . وروى مسلم هذا الحديث ، وفيه قصة من حديث سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن أخبره ، أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو ، وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال ، فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه خالد ، فقال عبد الله بن عمرو : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل دون ماله فهو شهيد . قوله : " تيسروا " ، أي : تأهبوا ، وتهيئوا . وأخرجه النسائي بإسناد البخاري ، أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبد الله ، وهو ابن يزيد المقري ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثني أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة ، وله في رواية من طريق آخر ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد ، وهذا متنه قبل متن حديث البخاري ، وإسناده مختلف ، وله في رواية أخرى من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة ، أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أريد ماله بغير حق ، فقاتل فقتل فهو شهيد . وقال : أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن الحسن ، عن محمد بن إبراهيم بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد . قال أبو عبد الرحمن : هذا خطأ ، والصواب الذي قبله ، وأخرجه الترمذي من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل دون ماله فهو شهيد .

                                                                                                                                                                                  ثم قال : وفي الباب ، عن علي ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، ثم روى عن عبد بن حميد ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن طلحة بن عبيد الله بن عوف ، عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد . ثم قال هذا حسن صحيح ، رواه أبو داود من رواية أبي داود الطيالسي ، وسليمان بن داود الهاشمي ، والنسائي من رواية سليمان بن داود وعبد الرحمن بن مهدي ثلاثتهم عن إبراهيم بن سعد ، ولم يذكر ابن مهدي الدين ، ورواه النسائي من رواية سفيان ، وابن إسحاق ، وابن ماجه من رواية سفيان فقط ، كلاهما عن الزهري بذكر المال فقط . وأما حديث علي رضي الله تعالى عنه فأخرجه أحمد في ( مسنده ) من حديث زيد بن علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد . قال شيخنا : أورده أحمد هكذا في مسند علي ، وهو يدل على أن المراد بقوله : " عن جده علي بن حسين " ، فعلى هذا يكون منقطعا . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه من حديث الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أريد ماله ظلما فقتل فهو شهيد . وأما حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فأخرجه ابن ماجه من حديث ميمون بن مهران ، عن ابن عمر : من أتي عند ماله فقاتل فقوتل فهو شهيد . وله [ ص: 35 ] طريق آخر رواه أبو يعلى الموصلي في ( المعجم ) من رواية أبي قلابة عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد ، وأما حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فأخرجه ... وأما حديث جابر فأخرجه أبو يعلى في ( مسنده ) من رواية محمد بن المنكدر عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد .

                                                                                                                                                                                  قلت : وفي الباب أيضا ، عن سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن مسعود ، وبريدة بن الحصيب ، وسويد بن مقرن ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، وفهر بن مطرف ، ومخارق بن سليم . وأما حديث سعد فأخرجه البزار في ( مسنده ) من حديث عبيدة بنت نائل ، عن عائشة بنت سعد ، عن أبيها قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد . وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ، وابن عدي في ( الكامل ) من رواية أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من قتل دون مظلمة فهو شهيد . ورواه البزار من رواية أبي وائل عنه ، ولفظه : من قتل دون ماله فهو شهيد . وأما حديث بريدة فأخرجه النسائي من حديث سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد . وأما حديث سويد بن مقرن ، فأخرجه النسائي أيضا من رواية سوادة بن أبي الجعد ، عن أبي جعفر قال : كنت جالسا عند سويد بن مقرن ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون مظلمته فهو شهيد . وأما حديث أنس رضي الله تعالى عنه فأخرجه البزار في ( مسنده ) ، والطبراني في ( الأوسط ) ، وابن عدي في ( الكامل ) من رواية عبد العزيز بن صهيب عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المقتول دون ماله شهيد . وأما حديث عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، فأخرجهما الطبراني في ( الأوسط ) من رواية حنظلة بن قيس ، عن عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر بن كريز ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل - أو قال : مات دون ماله فهو شهيد . وأما حديث نهير بن مطرف فأخرجه البزار في ( مسنده ) من حديث عبد العزيز بن المطلب ، عن أخيه ، عن أبيه فهيد بن مطرف ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن عدا علي عاد ؟ قال : تأمره ، وتنهاه . قال : فإن أبى تأمر بقتاله ؟ قال : نعم ، فإن قتلك فأنت في الجنة ، وإن قتلته فهو في النار . وأما حديث مخارق بن سليم فأخرجه النسائي من حديث قابوس بن مخارق عن أبيه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : الرجل يأتيني فيريد مالي . قال : ذكره بالله . قال : فإن لم يذكر ؟ قال : فاستعن عليه بمن حولك من المسلمين . قال : فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين ؟ قال : فاستعن عليه بالسلطان . قال : فإن نأى السلطان عني ؟ قال : قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة ، أو تمنع مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق ، سواء كان المال قليلا ، أو كثيرا لعموم الحديث ، وهذا قول جماهير العلماء ، وقال بعض أصحاب مالك : لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام ، وهذا ليس بشيء . والصواب ما قاله الجماهير ، وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف ، وقال النووي : وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ، ومذهب غيرنا ، والمدافعة عن المال جائزة ، غير واجبة .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن القاصد إذا قتل لا دية له ولا قصاص ، وفيه أن الدافع إذا قتل يكون شهيدا ، وقال الترمذي : وقد رخص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله . وقال ابن المبارك : يقاتل ، ولو درهمين . وقال المهلب ، وكذلك في كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ، ولا تبعة ، ومن أخذ في ذلك بالرخصة ، وأسلم المال ، والأهل ، والنفس فأمره إلى الله تعالى ، والله يعذره ، ويأجره ، ومن أخذ في ذلك بالشدة ، وقتل كانت له الشهادة ، وقال ابن المنذر : وروينا ، عن جماعة من أهل العلم ، أنهم رأوا قتال اللصوص ، ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم ، وقد أخذ ابن عمر لصا في داره فأصلت عليه السيف . قال سالم : فلولا أنا لضربه به . وقال النخعي : إذا خفت أن يبدأك اللص فابدأه . وقال الحسن : إذا طرق اللص بالسلاح فاقتله . وسئل مالك عن القوم يكونون في السفر فتلقاهم اللصوص ؟ قال : يقاتلونهم ، ولو على دانق . وقال عبد الملك [ ص: 36 ] إن قدر أن يمتنع من اللصوص فلا يعطهم شيئا ، وقال أحمد : إذا كان اللص مقبلا ، وأما موليا فلا ، وعن إسحاق مثله . وقال أبو حنيفة في رجل دخل على رجل ليلا للسرقة ثم خرج بالسرقة من الدار ، فاتبعه الرجل فقتله لا شيء عليه ، وقال الشافعي : من أريد ماله في مصر ، أو في صحراء ، أو أريد حريمه فالاختيار له أن يكلمه ، أو يستغيث ، فإن منع ، أو امتنع لم يكن له قتاله ، فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراد قتله فله أن يدفعه عن نفسه ، وعن ماله ، وليس له عمد قتله ، فإذا لم يمتنع فقاتله فقتله لا عقل فيه ، ولا قود ، ولا كفارة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية