الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2391 ولا نية للناسي والمخطئ

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  كأنه استنبط من قوله : " لكل امرئ ما نوى " عدم وقوع العتاق من الناسي والمخطئ لأنه لا نية لهما ، وفيه نظر لأن الوقوع إنما هو بمقتضى كلام صحيح صادر من عاقل بالغ ، والمخطئ من أخطأ من أراد الصواب فصار إلى غيره ، ووقع في رواية القابسي : الخاطئ من خطأ وهو من تعمد لما لا ينبغي ، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض الطرق ، وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرا بلفظ : " رفع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس إلا أنه بلفظ " وضع " بدل " رفع " انتهى ، قلت : كأنه أشار إلى هذا الحديث الذي أخبر بأن الخطأ والنسيان رفعا عن أمته فلا يترتب على الناسي والمخطئ حكم ، وذلك لعدم النية فيهما ، والأعمال بالنيات فإذا كان كذلك لا يقع العتاق من الناسي والمخطئ ، وكذلك الطلاق ، وهو قول الشافعي لأنه لا اختيار له ، فصار كالنائم ، والمغمى عليه ، قلنا : الاختيار أمر باطن لا يوقف عليه إلا بحرج فلا يصح تعليق الحكم عليه ، أما هذا الحديث فإنه صحيح ، فأخرجه الطحاوي بإسناد رجاله رجال الصحيح غير شيخه حيث قال : حدثنا ربيع المؤذن قال : حدثنا بشر بن بكر قال : أخبرنا الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ، فهذا هو الصحيح ، والذي أعله إنما أعل إسناد ابن ماجه الذي أخرجه عن محمد بن المصفى الحمصي ، حدثنا الوليد بن مسلم : حدثنا الأوزاعي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ، فهذا كما ترى أسقط عبيد بن عمير ، وأيضا أعله بأنه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، والصحيح طريق الطحاوي ، وأخرج نحوه الدارقطني ، والطبراني ، والحاكم ، ورواه ابن حزم من طريق الربيع ، وصححه ، وقال النووي في الأربعين : هو حديث حسن صحيح ، قوله : " تجاوز الله " أي عفا الله ، قوله : " لي " أي لأجلي ، وذلك لأنه لم يتجاوز ذلك إلا عن هذه الأمة [ ص: 88 ] لأجل سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، قوله : " الخطأ والنسيان " أي حكمهما في حق الله لا في حقوق العباد لأن في حقه عذرا صالحا لسقوطه حتى قيل : إن الخاطئ لا يأثم فلا يؤاخذ بحد ولا قصاص ، وأما في حقوق العباد فلم يجعل عذرا حتى وجب ضمان العدوان على الخاطئ لأنه ضمان مال لا جزاء فعل ، ووجب به الدية وصح طلاقه وعتاقه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية