الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2519 وقال أبو جميلة : وجدت منبوذا ، فلما رآني عمر قال : عسى الغوير أبؤسا كأنه يتهمني ، قال : عريفي أنه رجل صالح ، قال : كذلك اذهب وعلينا نفقته .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " قال : عريفي أنه رجل صالح ، قال : كذلك اذهب " فإنه يدل على أن عمر رضي الله تعالى عنه قبل تزكية الواحد واكتفى به ، وأبو جميلة بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بضم السين المهملة وبنونين أولاهما مفتوحة مخففة بينهما ياء آخر الحروف ، كذا ضبطه عبد الغني بن سعيد والدارقطني وابن ماكولا ، وقال بعضهم : ووهم من شدد التحتانية كالداودي .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : كيف ينسب الداودي إلى الوهم ولم ينفرد هو بالتشديد ، فإن البخاري ذكر في ( تاريخه ) : كان ابن عيينة وسليمان بن كثير يثقلان سنينا ، واقتصر عليه ابن التين ، وهذا التعليق رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سنين أبي جميلة ، وأنه أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وخرج معه عام الفتح وأنه التقط منبوذا ، فأتى عمر رضي الله عنه فسأله عنه فأثنى عليه خيرا وأنفق عليه من بيت المال ، وجعل ولاءه له ، وقال الكرماني : أبو جميلة سنين ، وقيل : ميسرة ضد الميمنة ابن يعقوب الطهوي بضم الطاء وفتح الهاء ، وقيل : بسكونها وقد يفتحون الطاء مع سكون الهاء ففيه ثلاث لغات ، ورد عليه بأن أبا جميلة الذي ذكره وترجمه ليس بأبي جميلة المذكور في البخاري فإنه تابعي طهوي كوفي وذاك صحابي عند الأكثرين ، وإن كان العجلي ذكره من التابعين واسمه سنين بن فرقد ، وقال ابن سعد هو سلمي ، وقال غيره هو ضمري ، وقيل : سليطي ، وذكره الذهبي في ( الصحابة ) ، وقال : أبو جميلة سنين السلمي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديثه في الترمذي ، روى عنه الزهري .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : تفرد الزهري بالرواية عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وجدت منبوذا " بفتح الميم وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو ، وفي آخره ذال معجمة ، ومعناه اللقيط .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فلما رأى عمر " أي : فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : عسى الغوير أبؤسا ، كذا وقع في رواية الأصيلي ، وفي رواية أبي ذر رضي الله عنه عن الكشميهني ، وسقط في رواية الباقين ، وكذا رواه ابن أبي شيبة فقال : حدثنا ابن علية ، عن الزهري رضي الله تعالى عنه أنه سمع سنينا أبا جميلة يقول : وجدت منبوذا [ ص: 237 ] فذكره عريفي لعمر رضي الله تعالى عنه ، فأتيته فقال : هو حر وولاؤه لك ورضاعه علينا ، ومعنى تمثيل عمر بهذا المثل عسى النوير أبؤسا أن عمر اتهمه أن يكون ولده أتى به للفرض له في بيت المال ، ويحتمل أن يكون ظن أنه يريد أن يفرض ويلي أمره ويأخذ ما يفرض له ويصنع ما شاء ، فقال عمر هذا المثل ، فلما قال له عريفه : إنه رجل صالح صدقه ، وقال الميداني في ( مجمع الأمثال ) : تأليفه الغوير تصغير غار والأبؤس جمع بؤس وهو الشدة ، ويقال : الأبؤس الداهية ، وقال الأصمعي : إن أصل هذا المثل أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم أو قال : فأتاهم عدو فقتلهم فيه ، فقيل ذلك لكل من دخل في أمر لا يعرف عاقبته ، وفي ( علل الخلال ) قال الزهري : هذا مثل يضربه أهل المدينة ، وقال سفيان : أصله أن ناسا كان بينهم وبين آخرين حرب ، فقالت لهم عجوز : احذروا واستعدوا من هؤلاء فإنهم يألونكم شرا ، فلم يلبثوا أن جاءهم فزع فقالت العجوز : عسى الغوير أبؤسا ، تعني : لعله أتاكم الناس من قبل الغوير وهو الشعب ، وقال الكلبي : غوير : ماء لكلب معروف في ناحية السماوة ، وقال ابن الأعرابي : الغوير طريق يعبرون فيه ، وكانوا يتواصون بأن يحسروه لئلا يؤتوا منه ، وروى الحربي عن عمرو عن أبيه أن الغوير نفق في حصن الرباء ، ويقال : هذا مثل لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر ، وانتصاب " أبؤسا " بعامل مقدر تقديره عسى الغوير يصير أبؤسا ، وقال أبو علي : جعل عسى بمعنى كان ونزله منزلته يضرب للرجل يقال له : لعل الشر جاء من قبلك ، ويقال : تقديره عسى أن يأتي الغوير بشر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " كأنه يتهمني " أي : بأن يكون الولد له كما ذكرنا أن يكون قصده الفرض له من بيت المال .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال عريفي " العريف النقيب وهو دون الرئيس ، قال ابن بطال : وكان عمر رضي الله تعالى عنه قسم الناس أقساما ، وجعل على كل ديوان عريفا ينظر عليهم ، وكان الرجل النابذ من ديوان الذي زكاه عند عمر رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قال كذلك " أي : قال عمر لعريفه : هو صالح مثل ما يقول ، وزاد مالك في روايته : قال : نعم ، يعني : كذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " اذهب وعلينا نفقته " وفي رواية مالك " اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته " يعني : من بيت المال ، وقال ابن بطال في هذه القضية : إن القاضي إذا سأل في مجلس نظره عن أحد ، فإنه يجتزئ بقول الواحد كما صنع عمر رضي الله عنه ، وأما إذا كلف المشهود له أن يعدل شهوده فلا يقبل أقل من اثنين .

                                                                                                                                                                                  وفيه جواز الالتقاط وإن لم يشهد وأن نفقته إذا لم يعرف في بيت المال ، وأن ولاءه لملتقطه .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن اللقيط حر ، وقال قوم : إنه عبد ، وممن قال : إنه حر علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم والشعبي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية