الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2487 6 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم - يعني شيئا ، وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة ، وكانت أمه أم أنس أم سليم كانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، فكانت أعطت أم أنس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقا ، فأعطاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن [ ص: 186 ] مولاته أم أسامة بن زيد . قال ابن شهاب : فأخبرني أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من قتل أهل خيبر فانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمه عذاقها ، وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مكانهن من حائطه . وقال أحمد بن شبيب : أخبرنا أبي عن يونس بهذا وقال : مكانهن من خالصه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة تعرف من قوله " فقاسمهم الأنصار " إلى قوله " قال ابن شهاب " .

                                                                                                                                                                                  وابن وهب هو عبد الله بن وهب البصري ، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى ، وأخرجه النسائي في المناقب عن عمرو بن سواد ; ثلاثتهم عن ابن وهب به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وليس بأيديهم ) ; يعني شيئا ، هذا هكذا في رواية الأصيلي وكريمة ، وفي رواية الباقين " وليس بأيديهم " بدوه ، يعني شيئا . وقال الكرماني : يعني وليس بأيديهم مال . والتفسير الأول أعم منه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فقاسمهم الأنصار ) جواب " لما " .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : ظاهر هذا يغاير حديث أبي هريرة الذي مضى في المزارعة : قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال : لا . فقال : تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة . قالوا : سمعنا وأطعنا . قلت : لا مغايرة بينهما ; لأن المنفي هناك مقاسمة الأصول والمراد هنا مقاسمة الثمار ، وزعم الداودي رحمه الله أن المراد من قوله " فقاسمهم " هنا أي حالفهم ، وجعله من القسم بفتحتين لا من القسم بسكون السين ، وفيه نظر لا يخفى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكانت أمه ) ; أي أم أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  وقوله ( أم أنس ) بدل منه .

                                                                                                                                                                                  وقوله ( أم سليم ) بضم السين المهملة بدل عن " أم أنس " ، وفي رواية مسلم : وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم ، وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة ، كان أخا أنس لأمه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( كانت ) تأكيد لكانت الأولى ، فهي أم أنس وأم عبد الله ، واسمها سهلة أو مليكة بنت ملحان الأنصارية .

                                                                                                                                                                                  وقوله ( وكانت أمه ) إلى قوله ( أبي طلحة ) من كلام الزهري الراوي عن أنس ، كذا قال بعضهم ، ولكن ظاهر السياق أنه يقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيكون من باب التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثل الأمر الأول في تلك الصفة ، وإنما يفعل ذلك مبالغة في كمال الصفة في الأمر الأول ، والتجريد على أقسام ; منها مخاطبة الإنسان نفسه كأنه ينتزع من نفسه شخصا فيخاطبه ، والتجريد هنا من هذا القسم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فكانت أعطت ) ; أي كانت أم أنس أعطت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقا بكسر العين المهملة وبذال معجمة خفيفة جمع عذق بفتح العين وسكون الذال كحبل وحبال ، والعذق النخلة ، وقيل إنما يقال لها ذلك إذا كان حملها موجودا . والمعنى أنها وهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - تمرها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أم أيمن ) بالنصب ; لأنه مفعول ثان لأعطى ، واسمها بركة بالباء الموحدة والراء والكاف المفتوحات ، وكنيت به لأنها كانت أولا تحت عبيد - مصغر عبد - الحبشي فولدت له أيمن ، وفي صحيح مسلم أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة ، فلما ولدت آمنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر - صلى الله عليه وسلم - فأعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أم أسامة بن زيد ) بن شراحيل بن كعب مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبويه ، وكان أسود أفطس ، توفي في آخر أيام معاوية سنة ثمان وتسع وخمسين ، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن عشرين سنة ، فأسامة وأيمن أخوان لأم ، واستشهد أيمن يوم حنين ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : بركة أمي بعد أمي . وماتت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال ابن شهاب ) هو الزهري الراوي ، وهو موصول بالإسناد المذكور ، وكذا هو عند مسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( منائحهم ) جمع منيحة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إلى أمه ) ; أي إلى أم أنس ، وهي أم سليم المذكورة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( مكانهن ) ; أي بدلهن .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من حائطه ) ; أي من بستانه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وقال أحمد بن شبيب ) بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة الأولى ، ابن سعيد ، أبو عبد الله الحبطي البصري ، روى عنه البخاري في مناقب عثمان وفي الاستقراض مفردا وفي غير موضع مقرونا إسناده بإسناد آخر ، وهو من أفراده ، روى عن أبيه شبيب عن يونس بن يزيد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بهذا ) ; أي بهذا المتن والإسناد ، وطريق أحمد بن [ ص: 187 ] شبيب وصله البرقاني عنه مثله .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وقال : مكانهن من خالصه ) ; أي من خالص ماله ، وقال ابن التين : المعنى واحد ; لأن حائطه صار له خالصا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية