الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قالوا: وهذا لباب ما ذكره الرازي في "الأربعين" قال: "إنه تعالى ليس في جهة ولا مكان" قال: "وادعى كثير من المخالفين العلم البديهي بأن كل موجودين لا بد من كون أحدهما ساريا في الآخر كالعرض والجوهر. أو مباينا عنه في الجهة كالجوهرين".

[ ص: 9 ] قال: "وهذا باطل لوجوه:

أحدها: لو كان بديهيا لامتنع إطباق الجمع العظيم على إنكاره، وهم ما سوى الحنابلة والكرامية.

الثاني: أن مسمى الإنسان مشترك بين الأشخاص ذوات الأحياز المختلفة والمقادير المختلفة، فهو من حيث هو ممتنع أن يكون له قدر معين وحيز معين، وإلا لم يكن مشتركا فيه بين كل الأشخاص. فإن قلت: فالإنسان من حيث هو إنسان لا وجود له إلا في العقل، والكلام في الموجودات الخارجية. قلت: الغرض منه أنه لا يمتنع تعقل أمر لا يثبت العقل له جهة ولا قدرا، وهذا يمنع كون تلك المقدمة بديهية.

الثالث: أن الخيال والوهم لا يمكننا أن نستحضر لنفسيهما [ ص: 10 ] صورة ولا شكلا، ولا للقوة الباصرة وغيرها من القوى.

الرابع: أن العقل يتصور النفي والإثبات، ثم يحكم بتناقضهما، مع أنه لا يحكم بكون أحدهما ساريا على الآخر، أو مباينا عنه في الجهة، أو لا ساريا ولا مباينا. ثم إنا نجد العقل يتوقف عن القسم الثالث إلا لبرهان يثبته أو ينفيه، وأن العقل يدرك ماهيات مراتب الأعداد، مع أنه لا يمكنه أن يحكم على أحد منها بأن موضوعها كذا ومقدارها كذا.

إذا عرفت ذلك فنقول: المعني من اختصاص الشيء بالجهة والمكان: أنه يمكن الإشارة الحسية إليه بأنه هنا أو هناك. والعالم مختص بالجهة والمكان بهذا المعنى، فإن الباري كذلك كان مماسا للعالم أو محاذيا له قطعا.

ثم قالت الكرامية: إنه تعالى مختص بجهة فوق، مماسا للعرش، أو مباينا عنه ببعد متناه، وهو قول أكثر طوائفهم، وإما مباينا عنه ببعد غير متناه، وهو قول الهيصمية، وهذا لا يعقل مع إثبات الجهة، [ ص: 11 ] لأنه إذا كان في جانب والعالم في جانب، كان البعد بينهما محصورا". فهذا ما ذكروه.

التالي السابق


الخدمات العلمية