الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(فصل)

ثم قال: "إشارة": أول درجات حركات العارفين ما يسمونه هم الإرادة، وهو ما يعتري المستبصر باليقين البرهاني، أو الساكن النفس إلى العقد الإيماني من الرغبة في اعتلاق العروة الوثقى، فيتحرك سره إلى القدس لينال من روح الاتصال، فما دامت درجته هذه فهو مريد.

إشارة: ثم إنه يحتاج إلى الرياضة، والرياضة متوجهة إلى ثلاثة أغراض: الأول: تنحية ما دون الحق من مستن الإيثار. الثاني: تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة لتنجذب قوى التوهم والتخيل [ ص: 79 ] إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي، منصرفة عن التوهمات المناسبة للأمر السفلي. الثالث: تلطيف السر للتنبه. والأول يعين عليه الزهد الحقيقي، والثاني: تعين عليه أشياء: العبادة المشفوعة بالفكرة، ثم الألحان المستخدمة لقوى النفس الموقعة لما يلحن بها من الكلام موقع القبول من الأوهام. والثالث: نفس الكلام الواعظ من قائل زكي بعبارة بليغة ونغمة رخيمة وسمت رشيد. وأما الغرض الثالث فيعين عليه الفكر اللطيف والعشق العفيف الذي تأمر فيه شمائل المعشوق، ليس سلطان الشهوة".

فيقال: قد ذكر أن المريد يحتاج في الرياضة - التي تسمى السلوك، إلى ثلاثة أشياء متعلقة بالقصد، والعمل، والعلم.

أما القصد، فأن لا يقصد إلا الحق، فينحي ما سواه عن طريق القصد، فلا يقصد إلا إياه. وهذا حق لكن لا يكون إلا على دين المرسلين. وأما إرادة الله ومحبته دون ما سواه فليس هو طريق هؤلاء المتفلسفة، بل هو ممتنع على أصولهم الفاسدة، وليس زهدهم زهد الأنبياء، ولكن زهدهم للتوفر على مطلوبهم الذي يرونه كمالا، لا على عبادة الله.

[ ص: 80 ] وأما العمل فهو تطويع قوة النفس الأمارة بالسوء لقوتها المطمئنة، وهذا متفق عليه، لكن عند أهل الملل أن هذا تكميل لعبادة الله وطاعته، وعند الملاحدة إنما هو تهذيب للنفس لتستعد لما جعلوه هم كمالا.

وليس المقصود هنا ذكر ما في هذا الكلام من حق وباطل، فإن هذا له موضع آخر. وإنما المقصود ذكر ما يتعلق بكلامهم في قوى التوهم والتخيل، فإنه قال: "لتنجذب قوى التخيل والوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي، منصرفة عن التوهمات المناسبة للأمر السفلي".

فذكر أن المقصود انجذاب قوى التخيل الوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي، ولم يقل: إلى التوهمات والتخيلات، كما قال: انجذاب قوى التخيل والوهم، لأنه يريد أن يجذب قوى التخيل والوهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية