الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: فقد بينوا أن الإدراك العقلي هو ما لا يمنع الشركة، ولا يشترط فيه وجود المدرك من خارج.

ومعلوم أن هذا هو إدراك الكليات الثابتة في العقل.

وإذا كان كذلك، فقوله: "وهو عندما يكون محسوسا [تكون] غشيته غواش غريبة عن ماهيته، لو أزيلت عنه لم تؤثر في كنه ماهيته" كلام يستلزم أن يكون في الخارج شيئان: أحدهما: ماهية مجردة عن المحسوسات، والثاني: محسوسات غشيت تلك الماهية المجردة المعقولة الثابتة في الخارج، وهذا باطل يعلم بطلانه بالضرورة من تصور ما يقول.

[ ص: 29 ] فإنه إن كان المعقول المجرد لا يكون إلا في النفس، فكيف يكون في الخارج معقول مجرد تقارنه المعينات المحسوسة واحدا بعد واحد، أو تقارنه تارة وتفارقه أخرى؟ وقوله: "مثل، أين، ووضع، وكيف ومقدار بعينه، لو توهمت بدله غيره، لم يؤثر في حقيقة ماهية إنسانيته".

يقال له: نعم إذا تصورنا بدل المعنى غيره، لم يؤثر فيما في النفس من الإنسان المعقول الكلي المجرد، فإن مطابقته لهذا المعين كمطابقته لهذا المعين، كما لا يؤثر ذلك في لفظ الإنسان المطلق، فإن مطابقته لهذا المعين كمطابقته لهذا المعين، فشمول اللفظ ومعناه الذي [هو] في الذهن سواء، لكن ذلك المعين إذا توهمنا بدله غيره، لم يكن في ذلك البدل من هذا المعين شيء أصلا، بل كان البدل نظيره وشبيهه ومثله، فإما أن يكون هو إياه، أو يكون في الخارج حقيقة معينة في هذا المعين، هي نفسها حقيقة ثابتة في هذا المعين، فهذا هو محل الغلط.

ويقال لمن ظن هذا: لما خلق الله هذا المعين، كانت تلك الحقيقة موجودة قبله أو حدثت معه؟

فإن حدثت معه، فهي معينة، لا مطلقة كلية، لأن الكلي لا يتوقف على وجود هذا المعين، وإن كانت موجودة قبله، فإن كانت [ ص: 30 ] مجردة من الأعيان لم يحتج فيها إلى شيء من المعينات، وإلا فالقول في مقارنتها لذلك المعين كالقول في هذا.

وأيضا فإنه يقال: هل انتقلت من غيره وقارنته؟ أو قامت به وبغيره؟ فإن انتقلت من غيره فارقت ذلك المعين، فثبت أن المعين لا يحتاج إلى مطلق يقارنه، وإن قامت به وبغيره، فإما أن يكون جوهرا أو عرضا، فإن كانت عرضا فالعرض الواحد لا يكون في محلين. وإن كانت جوهرا فالجوهر الواحد لا يكون في محلين.

فإن قال: هذا في الجواهر المحسوسة، وأما الجواهر المعقولة فقد تقوم بمحلين.

قيل: إن أردت بالجواهر المعقولة ما في القلوب، فتلك أعراض لا جواهر. وإن أردت هذه الكليات التي تدعي وجودها في الخارج، فتلك لا محل لها عندك، فضلا عن أن تقوم بمحلين.

وهذا أيضا مما يناقض قولهم: إن المطلق جزء من المعين، فكيف يكون ما لا يتخصص بحيز ولا مكان جزءا مما يتخصص بحيز ومكان؟

التالي السابق


الخدمات العلمية