الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وهذه حقيقة قولهم: يجعلون الواجب مع الممكن، كل منهما مفتقر إلى الآخر ومشروط به، كالمادة والصورة. فابن عربي يجعل أعيان الممكنات ثابتة في العدم، والوجود الواجب فاض عليها فلا يتحقق وجوده إلا بها، ولا تتحقق ماهيتها إلا به، وبنى قوله على أصلين فاسدين.

[ ص: 164 ] أحدهما: أن الوجود واحد، ليس هنا وجودان أحدهما واجب بنفسه، والآخر بغيره.

والثاني: أن وجود كل شيء زائد على حقيقته وماهيته، وأن المعدوم شيء، موافقة لمن هذا وهذا: من المعتزلة والفلاسفة، ومن وافقهم من متأخري الأشعرية، فالحقائق والذوات عنده ثابتة في العدم، ووجود الحق فاض عليها، فكان كل منهما مفتقرا إلى الآخر، ولهذا يقول: إن الحق يتصف بجميع صفات المخلوقات من النقائص والعيوب، وأن المخلوق يتصف بجميع صفات الله تعالى من صفات الكمال، كما قال: "ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص وصفات الذم؟ ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق، فهي من أولها إلى آخرها صفات له، كما أن صفات المحدثات حق للحق؟".

ولهذا قال: "فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة، وهو العيون الكثيرة:

فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر [سورة الصافات: 102]، [ ص: 165 ] فالولد عين أبيه، فما رأى يذبح غير نفسه وفديناه بذبح عظيم [سورة الصافات 107]، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان، بل بحكم ولد من هو عين الوالد، وخلق منها زوجها [سورة النساء: 1]، فما نكح سوى نفسه".

وقال: "فيعبدني وأعبده ويحمدني وأحمده".

وقال: "ولما كان فرعون في مرتبة الحكم، قال: أنا ربكم الأعلى [سورة النازعات: 24] أي، وإن كان الكل أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم بما أعطيته من الحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه، وأقروا [ ص: 166 ] بذلك، وقالوا: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ، فاقض ما أنت قاض [سورة طه: 72] فالدولة لك، فصح قوله: أنا ربكم الأعلى [سورة النازعات: 24]، وإن كان عين الحق".

وقال: "فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى على أخيه هارون لما وقع الأمر في إنكاره، وعدم اتساعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء".

وقال في قصة قوم نوح: " ومكروا مكرا كبارا [سورة نوح: 22]، لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، فإنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية".

[ ص: 167 ] وقوله: "ادعوا إلى الله عين المكر، فأجابوه مكرا، كما دعاهم مكرا"، "فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا [سورة نوح: 23]، فإنهم إذا تركوا هؤلاء جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله، كما قال في المحمديين: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [سورة الإسراء: 23]: أي حكم ".

وفسر قوله: قضى، بمعنى قدر لا بمعنى أمر.

قال: "وما حكم الله بشيء إلا وقع".

التالي السابق


الخدمات العلمية