الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن وافق على هذه المقدمة من الفقهاء وأهل الكلام، من الأشعرية وغيرهم، فهو تبع فيها: إما للمعتزلة والجهمية، وإما للفلاسفة.

فأما المعتزلة والجهمية فطريقهم هي طريق الأعراض والحركات، [ ص: 184 ] وأنه لو ثبت للقديم الصفات والأفعال لكان محلا للأعراض والحركات، وذلك يقتضي تعاقبها عليه. وذلك يوجب حدوثه.

وقد عرف أن الفلاسفة -مع طوائف من أهل الحديث والفقه والتصوف والكلام- يطعنون في هذه الطريقة.

وقد صنف الأشعري نفسه كتابا بين فيه عجز المعتزلة عن إثبات هذه الطريق، كما سيأتي بيان ذلك.

وأما طريق الفلاسفة فهي مبنية على أن واجب الوجود لا يكون متصفا بالصفات، لأن ذلك يستلزم التركيب.

وقد علم ما بينه نظار المسلمين من فساد هذه الطريقة.

فإذا ليس بين النفاة مقدمة اتفقوا عليها يبنون عليها النفي، بل هم يشتركون فيه كاشتراك المشركين وأهل الكتاب في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، واشتراك أهل البدع في مخالفة الحديث والسنة، مآخذ كل فريق غير مآخذ الآخر.

وإذا كانت مقدماتهم ليست مما اتفقوا عليه، بل ولا اتفق عليه أكثرهم، بل أكثرهم ينكر صدق جميعها، علم أنها ليست مقدمات فطرية ضرورية، لأن الضروريات لا ينكرها جمهور العقلاء، الذين لم يتواطأوا عليها، ولا يكفي أن تكون بعض المقدمات معلومة، بل لا بد أن تكون الجميع معلومة، وما لم تكن معلومة بالضرورة، فلا بد أن تستلزمها مقدمات ضرورية، وليس معهم شيء من ذلك، بل غاية [ ص: 185 ] هؤلاء لفظ "التركيب" وأنه لا يكون واجبا، وقد علم ما في ذلك من الإجمال والاشتراك.

وغاية هؤلاء أن الأعراض لا تبقى، وجمهور العقلاء يخالفون في ذلك، وأن الأفعال يجب تناهيها، وقد علم نزاع العقلاء فيها، وجمهورهم يمنعون امتناع تناهيها من الطرفين.

وقد ذكرنا اعتراض الأرموي وغيره على شيوخه في هذه المقدمات، وقد سبقه إلى ذلك الرازي وغيره، وقدحوا فيها قدحا بينوا به فسادها، على وجه لم يعترضوا عليه. وإن كان الرازي يعتمدها في مواضع أخر، فنظره استقر على القدح فيها.

التالي السابق


الخدمات العلمية