الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله: "وأما ما هو في ذاته بريء عن الشوائب المادية وعن اللواحق الغريبة التي لا تلزم ماهيته عن ماهيته، فهو معقول لذاته".

ففيه كلامان:


أحدهما: أن يقال: ثبوت مثل هذا المعقول تبع لثبوت المعقول المنتزع من المحسوس، وذلك ليس إلا في العقل، لا وجود له في الخارج، فيكون المعقول المجرد كذلك، وحينئذ فليس في ذلك ما يقتضي أن يكون في الخارج معقول مجرد.

الثاني: أن يقال: ثبوت هذه المعقولات المجردة في الخارج فرع إمكان وجودها، وإمكان وجودها مبني على إمكان وجود ما لا يمكن [ ص: 37 ] الإحساس به، فلا يجوز إثبات إمكان وجود ذلك بناء على وجود هذه المجردات، لأن ذلك دور قبلي، وهو ممتنع.

والمقصود أن في كلامهم ما يقتضي أنه ليس في المعقولات إلا ما يعقله العاقل في نفسه، مثل العلم الكلي، وقد يدعون ثبوت هذه المعقولات في الخارج فيتناقضون، وهذا موجود في كلام أكثرهم، يقولون كلهم: الكليات وجودها في الأذهان لا في الأعيان، ثم يقول بعضهم: إن الكليات تكون موجودة في الخارج، ولهذا كثيرا ما يرد بعضهم على بعض في هذا الموضع، وهو من أصول ضلالاتهم ومجازاتهم. وكلامهم في المعقولات المجردة من هذا النمط، وليس لهم دليل على إثباتها، وإذا حرر ما يجعلونه دليلا لم تثبت إلا أمور معقولة في الذهن.

واسم "الجوهر" عندهم يقال على خمسة أنواع، على: العقل، والنفس، والمادة والصورة، والجسم، وهم متنازعون في واجب الوجود: هل هو داخل في مسمى "الجوهر" على قولين، فأرسطو وأتباعه يجعلونه من مقولة الجوهر، وابن سينا وأتباعه لا يجعلونه من مقولة الجوهر، وإذا حرر ما يثبتونه من العقل والنفس والمادة والصورة، لم يوجد عندهم إلا ما هو معقول في النفس أو ما هو جسم، أو عرض قائم بجسم، كما قد بسط في موضعه.

[ ص: 38 ] والمراد هنا أن يعرف أن المعقولات التي هي العلوم الكلية الثابتة في النفس لا ينازع فيها عاقل. وكذلك تصور المعينات الموجودة في الخارج، سواء كان المتصور عينا قائمة بنفسها، أو معنى قائما بالعين، وسواء سمي ذلك التصور تعقلا أو تخيلا أو توهما، فليس المقصود النزاع في الألفاظ، بل المقصود المعاني.

وإذا عرف أن الإنسان يقوم به تصور لأمور معينة موجودة في الخارج، وتصور كلي مطابق للمعينات، تبين ما وقع من الاشتباه في هذا الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية