الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والشبهة الواقعة في نفي الجهة عند الذين نفوها ليس يتفطن الجمهور لها، لا سيما إذا لم يصرح لهم بأنه ليس بجسم، فيجب أن يمتثل في هذا كله فعل الشرع، ولا يتأول ما لم يصرح الشرع بتأويله.

والناس في هذه الأشياء في الشرع على ثلاث رتب: صنف لا [ ص: 218 ] يشعرون بالشكوك العارضة في هذا المعنى، وخاصة متى تركت هذه الأشياء على ظاهرها في الشرع، وهؤلاء هم الأكثرون، وهم الجمهور.

وصنف عرفوا حقيقة هذه الأشياء، وهم العلماء الراسخون في العلم، وهؤلاء هم الأقل من الناس، وصنف عرضت لهم في هذه الأشياء شكوك ولم يقدروا على حلها، وهؤلاء هم فوق العامة دون العلماء، وهذا الصنف هم الذين يوجد في حقهم التشابه في الشرع، وهم الذين ذمهم الله تعالى.

وأما عند العلماء والجمهور فليس في الشرع تشابه. فعلى هذا المعنى ينبغي أن يفهم المتشابه.. ومثال ما عرض لهذا الصنف من الشرع مثال ما يعرض لخبز البر مثلا، الذي هو الغذاء النافع لأكثر الأبدان، أن يكون لأقل الأبدان ضارا، وهو نافع للأكثر، وكذلك التعليم الشرعي هو نافع للأكثر، وربما يضر الأقل.

ولهذا الإشارة بقوله تعالى: وما يضل به إلا الفاسقين [سورة البقرة: 26]. لكن هذا إنما يعرض في آيات الكتاب العزيز في الأقل منها والأقل من الناس، وأكثر ذلك هي الآيات التي تتضمن الإعلام عن أشياء في الغائب ليس لها مثال في الشاهد، فيعبر عنها بالشاهد الذي هو أقرب الموجودات إليها، وأكثرها شبها بها، فيعرض لبعض الناس أن [ ص: 219 ] يرى الممثل به هو الممثل نفسه، فتلزمه الحيرة والشك، وهو الذي يسمى متشابها في الشرع. وهذا ليس يعرض للعلماء والجمهور، وهم صنفا الناس بالحقيقة، لأن هؤلاء هم الأصحاء، والغذاء الملائم إنما يوافق أبدان الأصحاء، وأما أولئك فمرضى، والمرضى هم الأقل. ولذلك قال تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله [سورة آل عمران: 7]، وهؤلاء هم أهل الجدل والكلام.

وأشد ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيرا مما ظنوه ليس على ظاهره، وقالوا: إن هذا التأويل هو المقصود به، وإنما أتى به في صورة المتشابه ابتلاء لعباده واختبارا لهم، ونعوذ بالله من هذا الظن بالله، بل نقول: إن كتاب الله العزيز إنما جاء معجزا من جهة الوضوح والبيان، فإذا ما أبعد عن مقصد الشرع من قال فيما ليس بمتشابه: إنه متشابه، ثم أوله بزعمه، وقال لجميع الناس: إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل، مثل ما قالوه في آية الاستواء على العرش، وغير ذلك مما قالوا: إن ظاهره متشابه.

التالي السابق


الخدمات العلمية