الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (4) قوله: إن تتوبا : شرط وفي جوابه وجهان، أحدهما: هو قوله "فقد صغت"، والمعنى: إن تتوبا فقد وجد منكم ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وصغت: مالت، ويدل له قراءة ابن مسعود "فقد راغت". والثاني: أن الجواب محذوف تقديره: فذلك واجب عليكما، أو فتاب الله عليكما، قاله أبو البقاء . وقال: "ودل على المحذوف فقد صغت; لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب". وهذا الذي قاله لا حاجة إليه، وكأنه زعم أن ميل القلب ذنب فكيف يحسن أن يكون جوابا؟ وغفل عن المعنى الذي ذكرته في [ ص: 366 ] صحة كونه جوابا. و" قلوبكما" من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى، استثقالا لمجيء تثنيتين لو قيل: قلباكما. وقد تقدم تحرير هذا في آية السرقة في المائدة، وشروط المسألة وما اختلف الناس فيه. ومن مجيء التثنية قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4278 - فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترقع



                                                                                                                                                                                                                                      والأحسن في هذا الباب الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية، وقال ابن عصفور: لا يجوز الإفراد إلا في ضرورة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4279 - حمامة بطن الواديين ترنمي     سقاك من الغر الغوادي مطيرها



                                                                                                                                                                                                                                      وتبعه الشيخ ، وغلط ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية. وليس بغلط للعلة التي ذكرها، وهي كراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس. [ ص: 367 ] وقوله: إن تتوبا فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والمراد أما المؤمنين بنتا الشيخين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وعن أبويهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن تظاهرا أصله تتظاهرا فأدغم، وهذه قراءة العامة، وعكرمة "تتظاهرا" على الأصل، والحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهما بتشديد الظاء والهاء دون ألف وأبو عمرو في رواية "تظاهرا" بتخفيف الطاء والهاء، حذف إحدى التاءين وكلها بمعنى المعاونة من الظهر لأنه أقوى أعضاء الإنسان وأجلها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: هو مولاه يجوز أن يكون "هو" فصلا، و"مولاه" الخبر، وأن يكون مبتدأ، و"مولاه" خبره، والجملة خبر "إن".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وجبريل يجوز أن يكون عطفا على اسم الله تعالى ورفع نظرا إلى محل اسمها، وذلك بعد استكمالها خبرها، وقد عرفت مذاهب الناس فيه، ويكون "جبريل" وما بعده داخلين في الولاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون جبريل ظهيرا له بدخوله في عموم الملائكة، ويكون "الملائكة" مبتدأ و"ظهير" خبره، أفرد لأنه بزنة فعيل. ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله: "مولاه" ويكون "جبريل" مبتدأ، وما بعده عطف عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ظهير" خبر الجميع، فتختص الولاية بالله، ويكون "جبريل" قد ذكر في المعاونة مرتين: مرة بالتنصيص عليه، ومرة بدخوله في عموم الملائكة، وهذا عكس ما في البقرة من قوله: [ ص: 368 ] من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفا له، وهنا ذكر العام بعد الخاص، لم يذكر الناس إلا القسم الأول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وصالح المؤمنين الظاهر أنه مفرد، ولذلك كتب بالحاء دون واو الجمع. وجوزوا أن يكون جمعا بالواو والنون، حذفت النون للإضافة، وكتب دون واو اعتبارا بلفظه لأن الواو ساقطة لالتقاء الساكنين نحو: ويمح الله الباطل ، يدع الداع ، سندع الزبانية إلى غير ذلك، ومثل هذا ما جاء في الحديث: "أهل القرآن أهل الله وخاصته"، قالوا: يجوز أن يكون مفردا، وأن يكون جمعا كقوله: شغلتنا أموالنا وأهلونا وحذفت الواو لالتقاء الساكنين لفظا، فإذا كتب هذا فالأحسن أن يكتب بالواو لهذا الغرض، وليس ثم ضرورة لحذفها كما مر في مرسوم الخط.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أبو البقاء في "جبريل" أن يكون معطوفا على الضمير في "مولاه" يعني المستتر، وحينئذ يكون الفصل بالضمير المجرور كافيا في تجويز العطف عليه. وجوز أيضا أن يكون مبتدأ و"صالح" عطف عليه. والخبر محذوف أي: مواليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية