الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (20) قوله: ومناة : قرأ ابن كثير "مناءة" بهمزة مفتوحة بعد الألف، والباقون بألف وحدها، وهي صخرة كانت تعبد من [ ص: 93 ] دون الله. فأما قراءة ابن كثير فاشتقاقها من النوء، وهو المطر لأنهم يستمطرون عندها الأنواء، ووزنها حينئذ مفعلة فألفها عن واو، وهمزتها أصلية، وميمها زائدة. وأنشدوا على ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      4130 - ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة على النأي فيما بيننا ابن تميم



                                                                                                                                                                                                                                      وقد أنكر أبو عبيد قراءة ابن كثير ، وقال: "لم أسمع الهمز". قلت: قد سمعه غيره، والبيت حجة عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة العامة فاشتقاقها من منى يمني أي: صب; لأن دماء النسائك كانت تصب عندها، وأنشدوا لجرير :


                                                                                                                                                                                                                                      4131 - أزيد مناة توعد يا بن تيم     تأمل أين تاه بك الوعيد



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : "وألفه من ياء لقولك: منى يمني إذا قدر، ويجوز أن تكون من الواو، ومنه منوان"، فوزنها على قراءة القصر فعلة.

                                                                                                                                                                                                                                      "والأخرى" صفة لمناة. قال أبو البقاء : "والأخرى توكيد; لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى". وقال الزمخشري : "والأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله: قالت أخراهم أي: وضعاؤهم [ ص: 94 ] لأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى". انتهى. وفيه نظر; لأن الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس فيها تعرض لمدح ولا ذم، فإن جاء شيء من هذا فلقرينة خارجية. وقيل: الأخرى صفة للعزى; لأن الثانية أخرى بالنسبة إلى الأولى. وقال الحسين بن الفضل: "فيه تقديم وتأخير"، أي: العزى الأخرى ومناة الثالثة، ولا حاجة إلى ذلك لأن الأصل عدمه.

                                                                                                                                                                                                                                      و"أرأيت" بمعنى أخبرني فيتعدى لاثنين، أولهما: "اللات وما عطف عليها". والثاني: الجملة الاستفهامية من قوله: ألكم الذكر ، فإن قيل: لم يعد من هذه الجملة ضمير على المفعول الأول. فالجواب: أن قوله: "وله الأنثى" في قوة "وله هذه الأصنام" وإن كان أصل التركيب: ألكم الذكر وله هن، أي: تلك الأصنام، وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد جعل الزجاج المفعول الثاني محذوفا فإنه قال: "وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها فيقول: أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة". انتهى. فعلى هذا يكون قوله: "ألكم الذكر" متعلقا بما قبله من حيث المعنى، لا من حيث الإعراب. وجعل ابن عطية الرؤية هنا بصرية فقال: "وهي من رؤية العين; لأنه أحال على أجرام مرئية، ولو كانت "أرأيت" التي هي استفتاء لم تتعد"، وهذا كلام مثبج، وقد تقدم لك الكلام عليها مشبعا في الأنعام وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية