الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (6) قوله: ولا تمنن : العامة على فك الإدغام. والحسن وأبو السمال بالإدغام. قد تقدم أن المجزوم والموقوف من هذا النوع يجوز فيهما الوجهان، وقد تقدم تحقيقه في المائدة عند من يرتد منكم . والمشهور أنه من المن، وهو الاعتداد على المعطي بما أعطاه. وقيل: "لا تضعف" من قولهم: حبل منين أي: ضعيف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: تستكثر العامة على رفعه، وفيه وجهان، أحدهما: أنه في موضع الحال أي: لا تمنن مستكثرا ما أعطيت. وقيل: معناه: لتأخذ أكثر مما أعطيت. والثاني: أنه على حذف "أن" يعني أن الأصل: ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت "أن" ارتفع الفعل كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4380- ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 536 ] في إحدى الروايتين، قاله الزمخشري ، ولم يبين: ما محل "أن" وما في حيزها. وفيه وجهان، أظهرهما - وهو الذي يريده - هو أنها في محل نصب أو جر على الخلاف فيها بعد حذف حرف الجر، وهو هنا لام العلة تقديره: ولا تمنن لأن تستكثر. والثاني: أنها في محل نصب فقط مفعولا بها أي: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قاله مكي، وقد تقدم لك أن "تمنن" بمعنى تضعف، وهو قول مجاهد . إلا أن الشيخ قال بعد كلام الزمخشري: "وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه; لأن ذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولنا مندوحة عنه مع صحة معنى الحال". قلت: قد سبقه مكي وغيره إلى هذا. وأيضا فقوله: "في الشعر" ممنوع; هؤلاء الكوفيون يجيزون ذلك وأيضا فقد قرأ الحسن والأعمش "تستكثر" نصبا، وهو على إضمار "أن" كقولهم: "مره يحفرها" وأبلغ من ذلك التصريح بأن في قراءة عبد الله: "ولا تمنن أن تستكثر".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن أيضا وابن أبي عبلة "تستكثر" جزما، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون بدلا من الفعل قبله، كقوله تعالى: يلق أثاما يضاعف فـ "يضاعف" بدل من "يلق" وكقوله: [ ص: 537 ]

                                                                                                                                                                                                                                      4381- متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا     تجد حطبا جزلا ونارا تأججا



                                                                                                                                                                                                                                      ويكون من المن الذي في قوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى الثاني: أن يشبه (ثرو) بـ "عضد" فيسكن تخفيفا، قاله الزمخشري ، يعني أنه تأخذ من مجموع "تستكثر" ومن الكلمة بعده وهو الواو ما يكون فيه شبيها بـ "عضد". ألا ترى أنه قال: "أن يشبه ثرو" فأخذ بعض "تستكثر" وهو الثاء والراء وحرف العطف من قوله: ولربك فاصبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا كما قالوا في قول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      4382- فاليوم أشرب غير مستحقب     إثما من الله ولا واغل



                                                                                                                                                                                                                                      بتسكين "أشرب": إنهم أخذوا من الكلمتين (ربغ) كـ عضد، ثم سكن. وقد تقدم في سورة يوسف في قراءة قنبل " من يتقي " بثبوت الياء أن "من" موصولة، فاعترض بجزم "يصبر" فأجيب: بأنه شبه (برف) أخذوا الباء والراء من "يصبر"، والفاء من "فإن" وهذا نظير تيك سواء. الوجه الثالث: أن يعتبر حال الوقف ويجرى الوصل مجراه، قاله الزمخشري أيضا، يعني أنه مرفوع، وإنما سكن تخفيفا، أو أجري [ ص: 538 ] الوصل مجرى الوقف. قال الشيخ : "وهذان لا يجوز أن يحمل عليهما مع وجود أرجح منهما، وهو البدل". قلت: الحق أحق أن يتبع، كيف يعدل إلى هذين الوجهين مع ظهور البدل معنى وصحة وصناعة؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية