الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (21) قوله: والذين آمنوا : فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مبتدأ، والخبر الجملة من قوله: ألحقنا بهم ذريتهم والذرية هنا تصدق على الآباء وعلى الأبناء أي: إن المؤمن إذا كان عمله أكبر ألحق [ ص: 71 ] به من دونه في العمل، ابنا كان أو أبا، وهو منقول عن ابن عباس وغيره. والثاني: أنه منصوب بفعل مقدر. قال أبو البقاء : "على تقدير وأكرمنا الذين آمنوا". قلت: فيجوز أن يريد أنه من باب الاشتغال وأن قوله: ألحقنا بهم ذريتهم مفسر لذلك الفعل من حيث المعنى، وأن يريد أنه مضمر لدلالة السياق عليه، فلا تكون المسألة من الاشتغال في شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه مجرور عطفا على "حور عين". قال الزمخشري : "والذين آمنوا" معطوف على "حور عين" أي: قرناهم بالحور وبالذين آمنوا أي: بالرفقاء والجلساء منهم، كقوله: إخوانا على سرر متقابلين فيتمتعون تارة بملاعبة الحور، وتارة بمؤانسة الإخوان. ثم قال الزمخشري : "ثم قال تعالى: بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم أي: بسبب إيمان عظيم رفيع المحل وهو إيمان الآباء ألحقنا بدرجتهم ذريتهم، وإن كانوا لا يستأهلونها تفضلا عليهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : "ولا يتخيل أحد أن "والذين آمنوا" معطوف على "بحور عين" غير هذا الرجل، وهو تخيل أعجمي مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره". قلت: أما ما ذكره أبو القاسم من المعنى فلا شك في حسنه ونضارته، وليس في كلام العربي القح ما يدفعه، بل لو عرض على ابن عباس وغيره لأعجبهم. وأي مانع معنوي أو صناعي يمنعه؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 72 ] وقوله: واتبعتهم يجوز أن يكون عطفا على الصلة، ويكون "والذين" مبتدأ، ويتعلق "بإيمان" بالاتباع بمعنى: أن الله تعالى يلحق الأولاد الصغار، وإن لم يبلغوا الإيمان، بأحكام الآباء المؤمنين. وهذا المعنى منقول عن ابن عباس والضحاك . ويجوز أن يكون معترضا بين المبتدأ والخبر، قاله الزمخشري . ويجوز أن يتعلق "بإيمان" بألحقنا كما تقدم. فإن قيل: قوله: "اتبعتهم ذريتهم" يفيد فائدة قوله: ألحقنا بهم ذريتهم . فالجواب أن قوله: "ألحقنا بهم" أي: في الدرجات والاتباع إنما هو في حكم الإيمان، وإن لم يبلغوه كما تقدم. وقرأ أبو عمرو و"وأتبعناهم" بإسناد الفعل إلى المتكلم المعظم نفسه. والباقون "واتبعتهم" بإسناد الفعل إلى الذرية وإلحاق تاء التأنيث. وقد تقدم الخلاف في إفراد "ذريتهم" وجمعه في سورة الأعراف محررا بحمد الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ألتناهم قرأ ابن كثير: "ألتناهم" بكسر اللام، والباقون بفتحها. فأما الأولى فمن ألت يألت بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع كعلم يعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثانية فتحتمل أن تكون من ألت يألت كضرب يضرب، وأن تكون من ألات يليت كأمات يميت، فألتناهم كأمتناهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 73 ] وقرأ ابن هرمز "آلتناهم" بألف بعد الهمزة، على وزن أفعلناهم. يقال: آلت يؤلت كآمن يؤمن. وعبد الله وأبي والأعمش وطلحة، وتروى عن ابن كثير "لتناهم" بكسر اللام كبعناهم يقال: لاته يليته، كباعه يبيعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ طلحة والأعمش أيضا "لتناهم" بفتح اللام. قال سهل: "لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال"، ولذلك أنكر "آلتناهم" بالمد: وقال: "لا يدل عليها لغة ولا تفسير". وليس كما زعم; بل نقل أهل اللغة: آلت يؤلت. وقرئ "ولتناهم" بالواو كـ "وعدناهم" نقلها هارون . قال ابن خالويه: "فيكون هذا الحرف من لات يليت، وولت يلت، وألت يألت، وألت يألت، وألات يليت. وكلها بمعنى نقص. ويقال: ألت بمعنى غلظ. وقام رجل إلى عمر يعظه فقال له رجل: "لا تألت أمير المؤمنين أي: لا تغلظ عليه". قلت: ويجوز أن يكون هذا الأثر على حاله، والمعنى: لا تنقص أمير المؤمنين حقه، لأنه إذا أغلظ له القول نقصه حقه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من عملهم من شيء "من شيء" مفعول ثان لـ "ألتناهم" و"من" مزيدة فيه. والأولى في محل نصب على الحال من "شيء" لأنها في الأصل صفة له، فلما قدمت نصبت حالا. وجوز أبو البقاء أن يتعلق بـ "ألتناهم" وليس بظاهر. وفي الضمير في "ألتناهم" وجهان، أظهرهما: أنه عائد على المؤمنين. والثاني: أنه عائد على أبنائهم. قيل: ويقويه قوله: كل امرئ بما كسب رهين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية