الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 149 ] قال ( ومن كان له على آخر عشرة دراهم فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة دراهم ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة فهو جائز ) ومعنى المسألة إذا باع بعشرة مطلقة . ووجهه أنه يجب بهذا العقد ثمن يجب عليه تعيينه بالقبض لما ذكرنا ، والدين ليس بهذه الصفة فلا تقع المقاصة بنفس المبيع لعدم المجانسة ، فإذا تقاصا يتضمن ذلك فسخ [ ص: 150 ] الأول والإضافة إلى الدين ، إذ لولا ذلك يكون استبدالا ببدل الصرف ، وفي الإضافة إلى الدين تقع المقاصة بنفس العقد على ما نبينه ، والفسخ قد يثبت بطريق الاقتضاء كما إذا تبايعا بألف ثم بألف وخمسمائة ، وزفر يخالفنا فيه لأنه لا يقول بالاقتضاء ، [ ص: 151 ] وهذا إذا كان الدين سابقا . فإن كان لاحقا فكذلك في أصح الروايتين لتضمنه انفساخ الأول والإضافة إلى دين قائم وقت تحويل العقد فكفى ذلك للجواز .

التالي السابق


( قوله ومن له على آخر عشرة فباعه الذي عليه العشرة دينارا بعشرة وقبض الدينار ) فإن كان أضاف إلى العشرة الدين جاز اتفاقا ، ويجب بهذا العقد عشرة ثم لا يجب [ ص: 150 ] تعينه بالقبض ; لأن تعيين أحد البدلين في الصرف للاحتراز عن الدين بالدين وتعين الآخر لدفع الربا بالتساوي ، وقد اندفع الدين بالدين في هذه الصورة بقبض أحد العوضين وهو الدينار والقبض الذي يتحقق منه التعيين في البدل الآخر قد تحقق سابقا ، فعند الإضافة إلى ذلك المقبوض يحصل به المقصود من المماثلة بين البدلين وهو كون كل منهما مقبوضا قبضا يحصل به التعيين ، بخلاف ما إذا لم يضف إليه ; لأن موجب العقد حينئذ عشرة مطلقة لا يلزم أن تكون هذه العشرة الدين ، ولذا قال زفر رحمه الله فيما إذا باعه المديون بالعشرة دينارا بعشرة وهي مسألة الكتاب ثم تقاصا لا يجوز ، لأن موجب ذلك العقد عشرة مطلقة فلا تصير تلك العشرة المعينة ، ونحن نقول : موجب العقد عشرة مطلقة تصير متعينة بالقبض وبالإضافة بعد العقد إلى العشرة الدين صارت كذلك ، غير أنه بقبض سابق كما ذكرنا ، ولا يبالي به لحصول المقصود من التعيين بالقبض بالمساواة .

وعلى هذا التقرير لا حاجة إلى اعتبار فسخ العقد الأول بالإضافة إلى العشرة الدين بعد العقد على الإطلاق ، بخلاف ما لو باع بألف ثم بألف وخمسمائة فإن الفسخ لازم لأن أحدهما لم يصدق على الآخر ، بخلاف العشرة مطلقا مع هذه العشرة للصدق ، لأن الإطلاق [ ص: 151 ] ليس قيدا في العقد بها وإلا لم يكن قضاؤها أصلا إذ لا وجود للمطلق بقيد الإطلاق وعلى ذلك مشوا . وتقريره أنهما لما غيرا موجب العقد فقد فسخاه إلى عقد آخر اقتضاه ، ولما لم يقل زفر بالاقتضاء ولذا لم يقل في أعتق عبدك عني بألف : إنه يقع عن الأمر إذا أعتقه المالك لم ينفسخ فلا يتحول حكمه ( وهذا إذا كان الدين سابقا ) على بيع الدينار ( فإن كان لاحقا ) قبل الافتراق والمسألة بحالها بأن عقدا الدينار بعشرة ثم باع مشتري الدينار من بائعه ثوبا بعشرة ثم قاصصه بثمن الدينار عنها ففي رواية لا يصح ، والأصح أنه يصح لما ذكرنا من حصول المقصود وعلى ما ذكر المصنف من حصول الانفساخ والإضافة إلى الدين بعد تحققه .

وقال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير : إذا استقرض بائع الدينار عشرة من المشتري أو غصب منه فقد صار قصاصا ولا يحتاج إلى التراضي لأنه قد وجد منه القبض .




الخدمات العلمية