الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عن الشهود ) لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها ، ولأن الشبهة فيها دارئة ، وإن طعن الخصم فيهم [ ص: 378 ] سأل عنهم لأنه تقابل الظاهران فيسأل طلبا للترجيح ( وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : لا بد أن يسأل عنهم في السر والعلانية في سائر الحقوق ) لأن القضاء مبناه على الحجة وهي شهادة العدول فيتعرف عن العدالة ، وفيه صون قضائه عن البطلان .

وقيل هذا اختلاف عصر وزمان [ ص: 379 ] والفتوى على قولهما في هذا الزمان .

التالي السابق


وأول من سأل ابن شبرمة ، بخلاف الحدود والقصاص لأنه وجد فيها دليل طلب الزيادة فيسأل على ما عرف احتيالا للدرء ، إذ ربما يعجز عن التزكية فيندرئ الحد وهو مطلوب . وأورد أن الظاهر إنما يكفي للدفع والشهادة توجب الاستحقاق . وأجيب بأن الظاهر في الشهادة كالقطع لما لم يمكن الوصول إلى القطع ولا بالتزكية . والحق أن الظاهر يوجب الاستحقاق ، والمراد بالظاهر الذي لا يثبت به الاستحقاق هو الاستصحاب .

وأما إذا طعن الخصم فقد تقابل ظاهران فيسأل . وقال أبو يوسف ومحمد : لا بد أن يسأل عنهم طعن الخصم أو لم يطعن في سائر الحقوق في السر والعلانية ، وبه قال الشافعي وأحمد . وقال مالك من كان مشهورا بالعدالة لا يسأل عنه ، ومن عرف جرحه ردت شهادته ، وإنما يسأل إذا شك .

وإنما قلنا لا بد من السؤال مطلقا لأن القضاء ينبني على الحجة وهي شهادة العدول فلا بد أن يثبت عنده العدالة وذلك بذلك ، ولا يخفى قوة دليل أبي حنيفة على ذلك . وكونه لا بد أن يثبت العدالة لم يخالف فيه أبو حنيفة ، ولكن يقول : طريق الثبوت هو البناء على ظاهر عدالة المسلم خصوصا مع ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف ومع ذلك الفتوى على قولهما لاختلاف حال الزمان ، ولذلك قالوا : هذا الخلاف خلاف زمان لا حجة وبرهان ، وذلك لأن الغالب في زمان أبي حنيفة الصلاح بخلاف زمانهما .

وما قيل بأنه أفتى في القرن الثالث وهو المشهود لهم بالصلاح منه صلى الله عليه وسلم حيث قال { خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } وهما [ ص: 379 ] أفتيا في القرن الرابع ففيه نظر . فإن أبا حنيفة رحمه الله توفي في عام خمسين ومائة فكيف أفتى في القرن الثالث .

وقوله خير القرون إلخ إثبات الخيرية بالتدريج والتفاوت لا يستلزم أن يكون في الزمان المتأخر غلبة الفسق ، والظاهر الذي يثبت بالغالب أقوى من الظاهر الذي يثبت بظاهر حال الإسلام . وتحقيقه أنه لما قطعنا بغلبة الفسق فقد قطعنا بأن أكثر من التزم الإسلام لم يجتنب محارمه فلم يبق مجرد التزام الإسلام مظنة العدالة فكان الظاهر الثابت بالغالب بلا معارض .



[ فرع ]

لو تاب الفاسق لا تقبل شهادته ما لم تمض ستة أشهر . وقال بعضهم سنة ، ولو كان عدلا فشهد بالزور ثم تاب فشهد تقبل من غير مدة




الخدمات العلمية