الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويحبس الرجل في نفقة زوجته ) لأنه ظالم بالامتناع ( ولا يحبس والد في دين ولده ) لأنه نوع عقوبة فلا يستحقه الولد على الوالد كالحدود والقصاص [ ص: 285 ] ( إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه ) لأن فيه إحياء لولده ، ولأنه لا يتدارك لسقوطها بمضي الزمان ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله ويحبس الرجل في نفقة زوجته لأنه ظالم بالامتناع ) ويتحقق ذلك بأن تقدمه في اليوم الثاني من يوم فرض النفقة وإن كان مقدار النفقة قليلا كالدانق إذا رأى القاضي ذلك ، فأما بمجرد فرضها لو طلبت حبسه لم يحبسه لأن العقوبة تستحق بالظلم ، والظلم بالمنع بعد الوجوب ولم يتحقق وهذا يقتضي أنه إذا لم يفرض لها ولم ينفق الزوج عليها في يوم ينبغي إذا قدمته في اليوم الثاني أن يأمره بالإنفاق فإن رجع فلم ينفق أوجعه عقوبة ، وإن كانت النفقة سقطت بعد الوجوب فهو ظالم لها وهو قياس ما أسلفناه في باب القسم من قولهم إذا لم يقسم لها فرفعته إلى القاضي يأمره بالقسم وعدم الجور ، فإن ذهب ولم يقسم فرفعته أوجعه عقوبة ، وإن كان ما ذهب لها من الحق لا يقضي ويحصل بذلك ضرر كبير .

( قوله ولا يحبس والد في دين ولده فإنه عقوبة ) ولا يستحق الوالد عقوبة لأجل الولد لأن التأفيف لما حرم كان الحبس حراما لأنه فوقه ، وكذا لا يحد [ ص: 285 ]

له إذا قذفه ولا يقتص منه إذا قتله ، أما إذا امتنع من الإنفاق عليه فإنه يحبس ، وكذا كل من وجبت عليه النفقة فأبى عن الإنفاق أبا كان أو أما أو جدا ، لأن في ترك الإنفاق سعيا في هلاكهم ، ويجوز أن يحبس الوالد لقصده إلى إهلاك الولد ( ولأنه لا يتدارك لسقوطها ) أي لسقوط النفقة ( بمضي الزمان ) بخلاف الدين فإنه لا يسقط . وفي الذخيرة والعبد لا يحبس لمولاه لأن المولى لا يستوجب عليه دينا ، ولا المولى لعبده المأذون غير المديون لأن كسبه لمولاه فكيف يحبس له ، فإن كان عليه دين حبس لأنه للغرماء في التحقيق ، ويحبس مولى المكاتب للمكاتب إذا لم يكن دينه من جنس بدل الكتابة لأن في الجنس له حق أخذه . فإذا أخذ يلتقيان قصاصا وفي غير جنسه لا تقع المقاصة . والمكاتب في أكسابه كالحر فله حق المطالبة فيحبس لمطله ، أما المكاتب فلا يحبس بدين الكتابة لمولاه لأنه بالامتناع لا يصير ظالما ، ولو كان عليه دين غير بدل الكتابة يحبس فيه لأنه لا يتمكن من فسخ ذلك الدين وهو ظاهر الرواية . وعن بعض مشايخنا هما سواء لأنه يتمكن من إسقاطه بتعجيز نفسه فيسقط الدين عنه لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا ، وفي ظاهر الرواية أن بدل الكتابة صلة من وجه بخلاف سائر الديون .




الخدمات العلمية