الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 443 ] قال ( وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين ) لأن إحداهما كاذبة بيقين وليست إحداهما بأولى من الأخرى ( فإن سبقت إحداهما وقضى بها ثم حضرت الأخرى لم تقبل ) لأن الأولى ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية .

التالي السابق


( قوله وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وآخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقض ) بواحدة منهما ، فلو لم يجتمعوا بل شهدا أنه قتله بمكة فقضي بها ثم شهد آخران أنه بالكوفة فإنه يقتل المشهود عليه .

أما الأول فلكذب إحداهما بيقين ولا أولوية فلا قبول .

وأما الثاني فللأولوية باتصال القضاء الصحيح بها فإنه حين قضى بالأولى لا معارض لها إذ ذاك فنفذ شرعا فلا يتغير الحكم الشرعي الذي ثبت شرعا بحدوث معارض ، كمن له ثوبان في أحدهما نجاسة شك في تعيينه فتحرى وصلى في أحدهما ثم وقع ظنه على طهارة الآخر لا يصلي فيه ولا تبطل صلاته في الأول لأنه ثبت بتحريه الأول حكم شرعي هو الصحة بعد الوجوب فيه فلا يؤثر التحري الثاني في رفعه . وكذا الاختلاف في الآلة ، قال أحدهما قتله بسيف وقال الآخر بيده لا تقبل ، وكذا إن شهد بالقتل والآخر بالإقرار به لا تقبل لاختلاف المشهود به لأن القول غير الفعل الذي هو نفس القتل ولم يتم على أحدهما نصاب ، وكذا الضرب الواقع أمس وبتلك الآلة ليس عين الضرب الواقع اليوم وبالأخرى حقيقة ولا حكما ، لأنه لا يمكن جعل الفعل الثاني إخبارا عن الأول ليتحد الفعل نفسه ، وكل ما هو من باب الفعل كالشج والجناية مطلقا والغصب أو من باب القول المشروط في صحته الفعل كالنكاح المشروط فيه إحضار الشهود فاختلافهما في الزمان أو المكان أو الإنشاء أو الإقرار يمنع القبول لما ذكرنا ، إذ المراد بالإنشاء والإقرار ذكر أن إنشاء الفعل والإقرار به .

مثاله : ما لو ادعى الغصب فشهد أحدهما به والآخر بالإقرار به لا تقبل ، ولو شهدا جميعا بالإقرار به قبلت ، بخلاف اختلافهما في الزمان والمكان فيما هو من باب القول كالبيع والشراء والطلاق والعتاق والوكالة والوصية والرهن والإقرار والقرض والبراءة والكفالة والحوالة والقذف لا يمنع القبول ، فإن القول مما يتكرر بصيغة واحدة إنشاء وإخبارا وهو في القرض بحمله على قول المقرض أقرضتك ، وكذا يقبل في الرهن والهبة والصدقة والشراء وإن كانا يشهدان بمعاينة القبض لأن القبض يكون غير مرة . وفي المحيط : ادعى عينا في يد رجل أنها ملكه وأن صاحب اليد قبضها بغير حق منذ شهر وشهدوا له بالقبض مطلقا لا تقبل ، لأن شهادتهم على القبض بلا تاريخ محمول على الحال والمدعي يدعي الفعل في الماضي والفعل في الماضي غيره في الحال ، كما لو ادعى القتل من شهر فشهدوا به في الحال ، وكذا لو ادعى القتل مطلقا وشهدوا به من شهر لأنه [ ص: 444 ] ادعى الفعل في الحال وهم شهدوا به في الماضي فلا تقبل إلا إذا وفق وقال أردت من المطلق الفعل من ذلك الوقت وقيل تقبل في هذا من غير توفيق لأن المطلق أكثر وأقوى من المؤرخ فقد شهدوا بأقل مما ادعى به فتقبل انتهى فقد ظهر أن من الفعل القبض .



ومن الفروع

على الأصل المذكور ادعى الشراء أول من أمس فشهدوا به أمس تقبل لأنه قول ، ولو ادعى النكاح أول من أمس فشهدوا به أمس لا تقبل لأنه يتضمن الفعل كما ذكرنا من قريب ، هذا كله مذهبنا . وقال الشافعي وأحمد في ظاهر روايته ، اختلافهما في الزمان والمكان يمنع في الكل إلا إذا شهد أنه طلقها يوم الخميس وقال الآخر أقر بطلاقها يوم الجمعة ،



وإذا شهدا على إقرار الراهن والواهب والمتصدق بالقبض جازت .



ولو ادعى البيع وشهدا على إقرار البائع واختلفا في الزمان أو المكان قبلت ، وكذا لو شهد أحدهما بالبيع والشراء والآخر على الإقرار به تقبل لأن لفظهما سواء في الإقرار والإنشاء فلم يثبت اختلاف المشهود به ذكره في الفصول وفيه عن الفتاوى الصغرى : لو سكت شاهدا البيع عن بيان الوقت فسألهما القاضي فقالا لا نعلم ذلك تقبل لأنهما لم يكلفا حفظ ذلك .




الخدمات العلمية