الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل ) لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل لأن الدين عليه في الصحيح [ ص: 193 ] ( وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل عنه ) لأنه تبع ، ولأن عليه المطالبة وبقاء الدين على الأصيل بدونه جائز ( وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل فهو تأخير عن الكفيل ، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الذي عليه الأصل ) لأن التأخير إبراء موقت فيعتبر بالإبراء المؤبد ، بخلاف ما إذا كفل بالمال الحال مؤجلا إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل لأنه لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة فصار الأجل داخلا فيه ، أما هاهنا فبخلافه .

التالي السابق


( قوله وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه حقه برئ الكفيل ; لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل ) بالإجماع ( لأن الدين عليه ) أي على الأصيل ( في الصحيح ) خلافا لمن ذكر أن الدين في ذمة الكفيل كذا قيل . وليس لهذا الخلاف أثر هنا بل القائل : إن الدين في ذمة الكفيل والقائل بأنه ليس إلا في ذمة الأصيل قائل بأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل لأن ضمان الكفيل بشرط بقاء ضمان الأصيل . ويشترط قبول الأصيل أو موته قبل القبول والرد فإن ذلك يقوم مقام القبول ، ولو رده ارتد ودين الطالب على حاله .

واختلف المشايخ أن الدين هل يعود إلى الكفيل أم لا ؟ فبعضهم يعود وبعضهم لا ، بخلاف الكفيل فإنه إذا أبرأه صح قبل أو لم يقبل ولا يرجع على الأصيل لما ذكرنا قريبا . ولو كان إبراء الأصيل أو هبته أو التصدق عليه بعد موته ; فعند أبي يوسف القبول والرد للورثة ، فإن قبلوا صح ، وإن ردوا ارتد ، [ ص: 193 ] وقال محمد : لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم في حال حياته ثم مات وهذا يختص بالإبراء ( وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ المكفول عنه : لأن عليه ) أي على الكفيل ( المطالبة ) دون الدين ( وبقاء الدين بدونه ) أي بدون المطالبة على تأويل الطلب ( جائز ) فلم يلزم من عدم المطالبة عدم الدين على الأصيل فلا يبرأ الأصيل بإبرائه ( وكذا إذا أخر عن الأصيل فهو ) تأخير عن كفيله ، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الأصيل لأن التأخير إبراء موقت فيعتبر بالإبراء المؤبد فإن قيل : الإبراء المؤبد لا يرتد برد الكفيل والموقت يرتد برده وبرد الأصيل يرتدان كلاهما .

والجواب أن الفرق بينهما في حكم لا يستلزم الفرق بينهما في كل حكم ، وسبب الافتراق في ذلك الحكم وهو الارتداد بالرد وعليه ما ذكر في الذخيرة أن الإبراء المؤبد إسقاط محض في حق الكفيل ليس فيه تمليك مال لما ذكرنا أن الواجب بالكفالة مجرد المطالبة والإسقاط المحض لا يحتمل الرد لتلاشي الساقط كإسقاط الخيار ، وأما الإبراء المؤقت فهو تأخير مطالبة وليس بإسقاط ; ألا ترى أن المطالبة تعود بعد الأجل والتأخير قابل للإبطال بخلاف الإسقاط المحض ، فإذا عرف هذا فما لم يقبل الكفيل التأخير أو الأصيل فالمال حال يطالبان به للحال ، وهذا ( بخلاف ما لو كفل بالمال ) أي بالدين ( الحال مؤجلا إلى شهر ) مثلا ( فإنه يتأجل عن الأصيل ) إلى شهر ( لأنه ) أي المكفول له ( لا حق له حال الكفالة إلا في الدين ) فليس إذ ذاك حتى يقبل التأجيل سواه ( فكان الأجل ) الذي يشترطه الكفيل ( داخلا فيه ) فبالضرورة يتأجل عن الأصيل ( أما هاهنا ) وهو ما إذا كانت الكفالة ثابتة قبل التأجيل ( فبخلافه ) لأنها تقرر [ ص: 194 ] حكمها قبل التأجيل أنه جواز المطالبة ثم طرأ التأجيل عن الكفيل فينصرف إلى ما تقرر عليه بالكفالة وهو جواز المطالبة .




الخدمات العلمية