الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما ، وكذلك إذا شهدا بأقل من مهر مثلها ) لأن منافع البضع غير متقومة عند الإتلاف لأن التضمين يستدعي المماثلة على ما عرف ، وإنما تضمن وتتقوم بالتملك لأنها تصير متقومة ضرورة الملك إبانة لخطر المحل [ ص: 488 ] ( وكذا إذا شهدا على رجل يتزوج امرأة بمقدار مهر مثلها ) لأنه إتلاف بعوض لما أن البضع متقوم حال الدخول في الملك والإتلاف بعوض كلا إتلاف ، وهذا لأن مبنى الضمان على المماثلة ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وبينه بغير عوض ( وإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمنا الزيادة ) لأنهما أتلفاها من غير عوض .

التالي السابق


( قوله وإن شهدا إلى آخره ) إذا ادعى رجل على امرأة نكاحا بقدر مهر مثلها أو ادعاه بأقل بأن ادعاه بمائة ومهر مثلها ألف فشهد بذلك شاهدان فقضي بمقتضى شهادتهما ثم رجعا لا يفسخ النكاح برجوعهما ولا يضمنان شيئا في الصورتين كما ذكره المصنف .

وذكر في المنظومة في صورة النقصان أنهما يضمنان ما نقص عن مهر مثلهما عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف . قال في باب أبي يوسف : لو أثبتوا نكاحها فأوكسوا إن رجعوا لم يضمنوا ما بخسوا . ثم بينه في شرحه المسمى بالحصر وجعل الخلاف مبنيا على مسألة اختلاف الزوجين في قدر المهر . فإن عند أبي حنيفة ومحمد القول قولها إلى مهر مثلها فكان يقضي لها بألف لولا هذه الشهادة فقد أتلفا عليها تسعمائة . وعند أبي يوسف القول للزوج فلم يتلفا على قوله عليها شيئا وتبعه صاحب المجمع .

وما ذكره صاحب الهداية هو المعروف في المذهب وعليه صاحب النهاية . وغيره من الشارحين لم ينقلوا سواه خلافا ولا رواية ، وهو المذكور في الأصول كالمبسوط وشرح الطحاوي والذخيرة وغيرهم ، وإنما نقلوا فيها خلاف الشافعي ، فلو كان لهم شعور بهذا الخلاف الثابت في المذهب بين الأئمة الثلاثة لم يعرضوا عنه بالكلية ويشتغلوا بنقل خلاف الشافعي . وذكروا وجهه بأن البضع متقوم لثبوت [ ص: 488 ] تقومه حال الدخول ، فكذا في غيره لأنه في حال الخروج عين ذلك الذي ثبت تقومه . وأجابوا بحاصل توجيه المصنف بأن تقومه حال الدخول ليس إلا لإظهار خطره حيث كان منه النسل المطلوب في الدنيا والآخرة وغير ذلك من النفع ، كما شرطت الشهادة على العقد عليه دون سائر العقود لذلك لا لاعتباره متقوما في نفسه كالأعيان المالية لأنه لا يرد الملك على رقبته والمنافع لا تتقوم فلا تضمن لأن التضمين يستدعي المماثلة بالنص ولا مماثلة بين الأعيان التي تحرز وتتمول والأعراض التي تتصرم ولا تبقى .

وفرع في النهاية على الأصل المذكور خلافية أخرى ، هي ما إذا شهدوا بالطلاق الثلاث ثم رجعوا بعد القضاء بالفرقة لم يضمنوا عندنا ، وكذا إذا قتل رجل امرأة رجل لا يضمن القاتل لزوجها شيئا ، وكذا إذا ارتدت المرأة لا شيء عليها لزوجها . وعنده عليها وعلى القاتل للزوج مهر المثل .

وأورد على قولنا نقضا أنهم أوجبوا الضمان بإتلاف منافع البضع حقيقة فيما إذا أكره مجنون امرأة فزنى بها يجب في ماله مهر المثل فكذا يجب في الإتلاف الحكمي . وأجاب نقلا عن الذخيرة بأنه في الإتلاف الحقيقي بالشرع على خلاف القياس ، والحكمي دونه فلا يكون الوارد فيه واردا في الحكمي ، ونظيره ما في شرح الطحاوي : لو ادعى أنه استأجر الدار من هذا شهرا بعشرة وأجرة مثلها مائة والمؤجر ينكر فشهدا بذلك ثم رجعا لا ضمان عليهما لأنهما أتلفا المنفعة ومتلف المنفعة لا ضمان عليه ( قوله وكذا لا ضمان عليهما إذا شهدا على رجل يتزوج امرأة بمهر مثلها ) بأن ادعت امرأة عليه بذلك فشهدا ثم رجعا لا يفسخ النكاح على كل حال بعدما قضى به ، ولا يضمنان ما أتلفا عليه من مهر المثل لأنهما عوضا ملك البضع وهو متقوم حين ورود العقد عليه ، والإتلاف بعوض كلا إتلاف ، وإنما كان كذلك لأن مبنى الضمان على المماثلة كما ذكرنا ، ولا مماثلة بين الإتلاف بعوض وهو الثابت في حق الزوج ، والإتلاف بلا عوض وهو الذي يحكم به على الشاهدين ( وإن شهدا بأكثر من مهر المثل ثم رجعا ضمنا الزيادة ) على مهر المثل ( لأنهما أتلفاها بلا عوض ) وهي من الأعيان التي تقع المماثلة بالتضمين فيها




الخدمات العلمية