الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 24 ] ( وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز عند أبي حنيفة متفاضلا ، ولا متساويا ) لأنه لا يجوز بيع الدقيق بالمقلية ولا بيع السويق بالحنطة ، فكذا بيع أجزائهما لقيام المجانسة من وجه .

وعندهما يجوز لأنهما جنسان مختلفان لاختلاف المقصود .

[ ص: 25 ] قلنا : معظم المقصود وهو التغذي يشملهما فلا يبالى بفوات البعض كالمقلية مع غير المقلية والعلكة بالمسوسة .

التالي السابق


ثم قال المصنف ( وبيع الدقيق بالسويق لا يجوز ) أي لا يجوز بيع دقيق نوع من الحنطة أو الشعير بسويق ذلك النوع عند أبي حنيفة متفاضلا ولا متساويا ، أما دقيق الحنطة بسويق الشعير وعكسه فلا شك في جوازه ( وعندهما يجوز ) بيع الدقيق بالسويق متساويا ومتفاضلا ( لأنهما ) أي دقيق الحنطة وسويقها مثلا ( جنسان ) وإن رجعا إلى أصل واحد ( لاختلاف المقصود ) اختلافا كثيرا بعد القلي والطحن فإن المقاصد من الدقيق مثل أن يصنع [ ص: 25 ] خبزا أو عصيدا أو طرية وهو شبه الرشتة لا يتأتى من السويق ، كما أن ما يقصد بالسويق وهو أن يذاب مع عسل ويشرب أو يلت بسمن وعسل ويؤكل لا يتأتى من الدقيق ، وإذا كانا جنسين جاز بيع أحدهما بالآخر متساويا ومتفاضلا . وأبو حنيفة يمنع أنهما جنسان وله طريقان : أحدهما أن بيع الحنطة المقلية بالحنطة غير المقلية لا يجوز اتفاقا ، وذلك ليس إلا لاعتبار اتحاد الجنس ، وعدم العلم بالتساوي مع مساواة الكيل لاكتناز أحدهما فيه دون الآخر ، والدقيق أجزاء غير المقلية والسويق أجزاء المقلية ، ولم يزد الدقيق على الحنطة إلا بتكسيره بالطحن ، وكذا الآخر وذلك لا يوجب اختلاف الجنس بعد اتحاده .

والثاني وعليه اقتصر المصنف أن بيع الحنطة غير المقلية بالسويق لا يجوز ، وكذا بيع الحنطة المقلية بالدقيق ، وليس ذلك إلا لاستلزامه ربا الفضل وربا الفضل لا يثبت إلا مع المجانسة فكانت المجانسة ثابتة بين السويق والحنطة والدقيق أجزاء الحنطة فتثبت المجانسة بين الدقيق والسويق ثم يمتنع العلم بالمساواة فيمتنع البيع مطلقا . قولهم اختلفت المقاصد وذلك اختلاف الجنس ( قلنا أعظم المقاصد ) هي متحدة فيه ( وهو التغذي فلا يبالى بفوات بعضها ) الذي هو دون المقصد الأعظم بدليل الحكم باتحاد الجنس في الحنطة المقلية وغير المقلية حتى امتنع بيع أحدهما بالآخر كما ذكرناه بسبب اتحادهما في ذلك المقصود الأعظم مع فوات ما دونه من المقاصد ، فإن المقلية لا تصلح للزراعة ولا للهريسة ولا تطحن فيتخذ منها خبز ( و ) كذا ( العلكة ) أي الجيدة السالمة من السوس ( مع المسوسة ) ومع ذلك جعلا جنسا واحدا غير أن المسوسة يجوز بيعها بالعلكة كيلا متساويا ، والمقلية مع غير المقلية لا يجوز لما ذكرنا من أن الكيل لا يسوي بينهما .

فأما بيع الحنطة المقلية بالمقلية فاختلفوا . قيل يجوز إذا تساويا وزنا ذكره في الذخيرة . وقيل لا وعليه عول في المبسوط . ووجهه أن النار قد تأخذ في أحدهما أكثر من الآخر والأول أولى . ومسوسة بكسر الواو كأنها هي سوست : أي أدخلت السوس فيها




الخدمات العلمية