الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويجوز بيع اللحم بالحيوان ) عند أبي حنيفة وأبي يوسف .

وقال محمد : إذا باعه بلحم من جنسه لا يجوز [ ص: 26 ] إلا إذا كان اللحم المفرز أكثر ليكون اللحم بمقابلة ما فيه من اللحم والباقي بمقابلة السقط ، إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا من حيث زيادة السقط أو من حيث زيادة اللحم فصار كالخل بالسمسم .

ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون ، [ ص: 27 ] لأن الحيوان لا يوزن عادة ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن لأنه يخفف نفسه مرة بصلابته ويثقل أخرى ، بخلاف تلك المسألة لأن الوزن في الحال يعرف قدر الدهن إذا ميز بينه وبين الثجير ، ويوزن الثجير .

التالي السابق


( قوله ويجوز بيع اللحم بالحيوان عنه أبي حنيفة وأبي يوسف ) سواء كان اللحم من جنس ذلك [ ص: 26 ] الحيوان أو لا مساويا لما في الحيوان أو لا بشرط التعيين ، أما بالنسيئة فلا لامتناع السلم في الحيوان واللحم .

وفصل محمد رحمه الله فقال : إن باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بالشاة الحية . ولحم الجزور بالبقرة الحية يجوز كيفما كان ، وإن كان من جنسه كلحم شاة بشاة حية فشرطه أن يكون اللحم المفرز أكثر من اللحم الذي في الشاة ليكون لحم الشاة بمقابلة مثله من اللحم ، وباقي اللحم ( بمقابلة السقط إذ لو لم يكن كذلك يتحقق الربا ) إما لزيادة السقط إن كان اللحم المفرز مثل ما في الحيوان من اللحم ، أو لزيادة اللحم إن كان اللحم أقل مما في الشاة فصار كبيع الحل بالمهملة وهو دهن السمسم لا يجوز إلا على ذلك الاعتبار ، والمراد بالسقط ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والأكارع ; ولو كانت الشاة مذبوحة مسلوخة جاز إذا تساويا وزنا بالإجماع ، والمراد بالمسلوخة المفصولة من السقط ، وإن كانت بسقطها لا يجوز إلا على الاعتبار .

ولو باع شاة مذبوحة بشاة حية يجوز عند الكل ، أما عندهما فظاهر لأنه لو اشتراها باللحم جاز كيفما كان فكذلك إذا اشتراها بشاة مذبوحة ، وأما على قول محمد فإنما يجوز لأنه لحم بلحم وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها بإزاء السقط ، وعلى هذا شاتان مذبوحتان غير مسلوختين بشاة مذبوحة لم تسلخ يجوز ، لأن اللحم بمثله وزيادة لحم الشاة بإزاء الجلد ونحوه ، فالمراد هنا من المسلوخة وغيرها باعتبار الجلد وعدمه . وقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لا بطريق الاعتبار ولا بغيره ، خلافا للمزني من أصحاب الشافعي فإنه قال كقول أبي حنيفة وأبي يوسف .

ولو باعه بلحم غير جنسه كلحم البقرة بشاة فقال مالك وأحمد يجوز ، وللشافعي قولان والأصح لا يصح لعموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان . وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله في الإطلاق ( أنه باع موزونا بما ليس بموزون ) فغايته اتحاد الجنس كما قال محمد باعتبار ما في الضمن كالعصير مع العنب واللبن مع السمن ، [ ص: 27 ] لكن اتحاده مع اختلاف المقدر به إنما يمتنع به النساء فقلنا بشرط التعيين ولا يجوز النساء فيه ، وإنما قلنا إن الحيوان ليس بموزون ( لأنه لا يوزن عادة ) فليس فيه أحد المقدرين الشرعيين الوزن أو الكيل ، لأن الحيوان لا يعرف قدر ثقله بالوزن لأنه يثقل نفسه ويخففها فلا يدرى حاله ، بخلاف الدهن والسمسم ( لأن الوزن يعرف قدر الدهن إذا ميز من الثجير ) ثم يوزن الثجير هذا على التنزل وإلا فهما على ما قال غير المصنف يعتبران لحم الشاة مع الشاة الحية جنسين أخذا من قوله تعالى { فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر } أي بعد نفخ الروح ، فعلم أن الحي مع الجماد جنسان فيجوز بيع أحدهما بالآخر من غير اعتبار ، وإنما امتنع النساء لأنه حينئذ سلم وهو لا يجوز كما قدمناه .

واعلم أن السمع ظاهر في منع بيع اللحم بالحيوان ، ومنه ضعيف وقوي ، فمن القوي ما رواه مالك في الموطإ وأبو داود في المراسيل عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان } .

وفي لفظ { نهى عن بيع الحي بالميت } . ومرسل سعيد مقبول بالاتفاق . وقال ابن خزيمة : حدثنا أحمد بن حفص السلمي ، حدثني أبي ، حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن حجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة نحوه . قال البيهقي : إسناده صحيح ، ومن أثبت سماع الحسن من سمرة عده موصولا ومن لم يثبته فهو مرسل جيد . وأنت تعلم أن المرسل عندنا حجة مطلقا .

وأسند الشافعي إلى رجل مجهول من أهل المدينة أنه صلى الله عليه وسلم { نهى عن أن يباع حي بميت } ، وأسند أيضا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه " أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ، وبسنده إلى القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن أنهم كرهوا ذلك وهؤلاء تابعون ، وحديث أبي بكر رضي الله عنه لعله بالمعنى ، فإن مشايخنا ذكروه عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن جزورا نحر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي بعناقه فقال : أعطوني بهذا العناق لحما ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : لا يصح هذا } وتأولوه على أنه كان من إبل الصدقة نحر ليتصدق به




الخدمات العلمية