الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 175 ] قال ( ومن ادعى على آخر مائة دينار بينها أو لم يبينها حتى تكفل بنفسه رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المائة فلم يواف به غدا فعليه المائة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وقال محمد رحمه الله : إن لم يبينها حتى تكفل به رجل ثم ادعى بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه ) لأنه علق مالا مطلقا بخطر ; ألا يرى أنه لم ينسبه إلى ما عليه ، [ ص: 176 ] ولا تصح الكفالة على هذا الوجه وإن بينها ولأنه لم تصح الدعوى من غير بيان فلا يجب إحضار النفس ، وإذا لم يجب لا تصح الكفالة بالنفس فلا تصح بالمال لأنه بناء عليه ، بخلاف ما إذا بين . ولهما أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه ، والعادة جرت بالإجمال في الدعاوى فتصح الدعوى على اعتبار البيان ، فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى فتبين صحة الكفالة الأولى فيترتب عليها الثانية .

التالي السابق


( قوله ومن ادعى على آخر إلخ ) صورتها في الجامع محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة : في رجل لزم رجلا وادعى عليه مائة دينار فبينها أو لم يبينها أو لزمه ولم يدع مائة دينار فقال له رجل : [ ص: 176 ] دعه وأنا كفيل بنفسه إلى غد فإن لم أوافك به غدا فعلي مائة دينار فرضي بذلك فلم يواف به غدا ، قال عليه المائة الدينار في الوجهين جميعا إذا ادعى ذلك صاحب الحق أنه له ، وهذا قول أبي يوسف ، وقال محمد : إن ادعى ولم يبينها حتى كفل له بالمائة دينار أو ادعاها بعد ذلك لم يلتفت إلى دعواه ، وأراد بالوجهين ما إذا بينها : أي ذكر أنها جيدة أو رديئة أو وسط أو نحو ذلك أو لم يذكر كذا قيل : والأفيد أن يراد بالوجهين ما إذا ادعى المائة عينها أو لا ، وما إذا لم يدع شيئا حتى كفل له ثم ادعى المقدار الذي سماه الكفيل . لمحمد وجهان : أحدهما أنه علق التزام مال مطلق بخطر هو عدم الموافاة إذا لم ينسب المائة إلى ما عليه وهو رشوة على أن يترك المطلوب في الحال فلا يصح التزام هذا المال أو كلامه يحتمل ذلك كما يحتمل ما يدعيه فلا يثبت ذلك بالشك ، وعلى هذا الوجه عول أبو منصور الماتريدي ، وهذا الوجه لا يمنع صحة الكفالة بالنفس .

الثاني : أن الكفالة بالنفس باطلة لأن صحتها موقوفة على صحة الدعوى ( ولم تصح ) مع جهالة المدعى به ( من غير بيان فلم يجب إحضار النفس فلم تصح الكفالة بالنفس فلم تصح بالمال لأنه بناء عليه ) وإذا لم تصح الأولى لم تصح الثانية ، وعلى هذا الوجه عول الكرخي وهو مبطل للكفالتين . قال المصنف ( ولهما أن المال ذكر معرفا فينصرف إلى ما عليه والعادة جرت بالإجمال في الدعاوى ) قبل الحضور إلى مجلس القاضي احترازا عن حيل الخصوم ثم يقع البيان فيه ( فتصح الدعوى على اعتبار البيان ، فإذا بين التحق البيان بأصل الدعوى فيتبين صحة الكفالة الأولى فيترتب عليها ) صحة ( الثانية ) ونحن قد أسمعناك عبارة الجامع الصغير والمال منكر فيه حيث قال فعلي مائة دينار ، وكذا ذكر غير واحد ، وكذا في المبسوط ، فالوجه أن يترك المقدمة الأولى ويقال : إنه إذا ظهرت الدعوى بألف ظهر أنه أراد الألف التي سيدعيها حكامنا بأن الكفيل كان يدري خصوص دعواه تصحيحا لكلام العاقل ما أمكن فتصح الكفالة حين تقع على اعتبار بيان الدعوى بذلك القدر . وحاصل هذا أنا لا نحكم حال صدورها بالفساد بل الأمر موقوف على ظهور الدعوى بذلك القدر ، فإذا ظهرت ظهر أنه إنما كفل بالألف المدعى به .

وفي الخلاصة قال : إذا كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ألف درهم ولم يقل التي عليه فمضى غد ولم يواف به وفلان يقول : لا شيء علي والطالب يدعي ألفا [ ص: 177 ] والكفيل ينكر وجوبه على الأصيل فعلى الكفيل ألف درهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف الأول ، وفي قوله الآخر وهو قول محمد لا شيء عليه ، وهذا يقتضي أن الحاصل أن أبا حنيفة وحده .

ويستفاد بها أن الألف تجب على الكفيل بمجرد دعوى المكفول له وإن كان الكفيل ينكر وجوبه على الأصيل ، وسنذكر ما يظهر فيها




الخدمات العلمية