الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 223 ] ( ومن قال لآخر لك علي مائة إلى شهر وقال المقر له هي حالة ) ، فالقول قول المدعي ، ومن قال ضمنت لك عن فلان مائة إلى شهر وقال المقر له هي حالة فالقول قول الضامن . ووجه الفرق أن المقر أقر بالدين . [ ص: 224 ] ثم ادعى حقا لنفسه وهو تأخير المطالبة إلى أجل وفي الكفالة ما أقر بالدين لأنه لا دين عليه في الصحيح ، وإنما أقر بمجرد المطالبة بعد الشهر ، ولأن الأجل في الديون عارض حتى لا يثبت إلا بشرط فكان القول قول من أنكر الشرط كما في الخيار ، أما الأجل في الكفالة فنوع منها حتى يثبت من غير شرط بأن كان مؤجلا على الأصيل ، والشافعي رحمه الله ألحق الثاني بالأول ، وأبو يوسف رحمه الله فيما يروى عنه ألحق الأول بالثاني والفرق قد أوضحناه .

التالي السابق


( قوله ومن قال لآخر ) المراد الفرق بين مسألتين : إحداهما من أقر بدين مؤجل لرجل فاعترف بالدين المقر له وأنكر الأجل القول للمقر له ، ولو [ ص: 224 ] أقر بكفالة لرجل بدين مؤجل فاعترف المقر له وأنكر الأجل القول للكفيل في ظاهر الرواية خلافا للشافعي حيث ألحق الأول بالثاني فجعل القول في المسألتين للمقر . ولأبي يوسف على رواية إبراهيم بن رستم حيث ألحق الثاني بالأول فجعل القول فيهما للمقر له ، وما وقع في أكثر نسخ الهداية من عكس ذلك ، وهو أن الشافعي ألحق الثاني بالأول وأبو يوسف قلبه سهو من الكاتب .

وجه قول الشافعي رحمه الله أن الدين نوعان : حال ومؤجل . فاعترافه بالمؤجل اعتراف بنوع كالاعتراف بحنطة رديئة أو جيدة فلا يلزم النوع الآخر فالقول للمقر كالكفيل .

وجه قول أبي يوسف أنهما تصادقا على وجوب المال ثم ادعى أحدهما الأجل على صاحبه وهو ينكر فلا يصدق إلا بحجة كما في الأول وصار الأجل كالخيار فيما لو أقر بالكفالة على أنه بالخيار وأنكر الطالب القول للطالب في إنكاره الخيار .

وجه المذهب أن المقر بالدين أقر بما هو سبب المطالبة في الحال ، إذ الظاهر أن الدين كذلك ; لأنه إنما يثبت بدلا عن قرض أو إتلاف أو بيع ونحوه ، والظاهر أن العاقل لا يرضى بخروج مستحقه في الحال إلا ببدل في الحال ، فكان الحلول الأصل والأجل عارض فكان الدين المؤجل معروضا لعارض لا نوعا ( ثم ادعى لنفسه حقا وهو تأخيرها ) والآخر ينكره ( وفي الكفالة ما أقر بالدين ) على ما هو الأصح بل بحق المطالبة بعد شهر والمكفول له يدعيها في الحال والكفيل ينكر ذلك فالقول له ، وهذا لأن التزام المطالبة يتنوع إلى التزامها في الحال أو في المستقبل كالكفالة بما ذاب والدرك ، فإنما أقر بنوع منهما فلا يلزم بالنوع الآخر ، بخلاف الكفالة على أنه بالخيار فإنها ضعيفة لقلة وجودها فنزلت منزلة العدم ، وهذا مخلص ممن ادعى مالا وهو مؤجل في الواقع . [ ص: 225 ] فإن اعترف به مؤجلا لا يصدق ، وإن أنكر يكون كاذبا وخاف إن اعترف به كذلك لا يصدق في الأجل ، فالحيلة أن يقول للمدعي هذا المال الذي تدعيه مؤجل أم معجل ، فإن قال : مؤجل حصل المقصود ، وإن قال : معجل فينكر وهو صادق .

وفي العيون : من عليه دين مؤجل إذا حلف ما له اليوم قبله شيء أرجو أن لا يكون به بأس إن كان لا يقصد به إتواء حقه .




الخدمات العلمية