الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه ولا بذراع رجل بعينه ) معناه إذا لم يعرف مقداره لأنه تأخر فيه التسليم فربما يضيع فيؤدي إلى المنازعة وقد مر من قبل ، ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا ، فإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز للمنازعة إلا في قرب الماء للتعامل فيه ، كذا روي عن أبي يوسف رحمه الله . قال ( ولا في طعام قرية بعينها ) أو ثمرة نخلة بعينها لأنه قد يعتريه آفة فلا يقدر على التسليم وإليه أشار [ ص: 89 ] عليه الصلاة والسلام حيث قال { أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمر بم يستحل أحدكم مال أخيه ؟ } ولو كانت النسبة إلى قرية لبيان الصفة لا بأس به على ما قالوا كالخشمراني ببخارى والبساخي بفرغانة .

التالي السابق


( قوله ولا يجوز السلم بمكيال رجل بعينه وبذراع رجل بعينه ) قال المصنف ( معناه إذا كان لا يعرف مقداره ) أما إذا عرف فيجوز لضبط المقدار لو تلف ذلك المكيال والذراع ، وإنما لا يجوز لما ذكرنا من احتمال هلاك ما قدر به فيتعذر الإيفاء .

قال ( وقد مر من قبل ) يريد أول كتاب البيوع وهو قوله ويجوز البيع بإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه ، إلى أن قال : بخلاف السلم إلى آخره .

وقد روي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز أيضا في بيع العين بالعين لأنه بيع ليس بمكايلة ولا مجازفة ، وبيع الحنطة إنما يجوز على أحدهما ، والصحيح الأول والحصر ممنوع ويتقدر التسليم فهذا بيع مجازفة ، ثم لا بد ( أن يكون المكيال مما لا ينقبض وينبسط كالقصاع ) والحديد والخزف ( فإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل ) والغرارة ( لا يجوز للمنازعة ) عند التسليم ( إلا في قرب الماء فيما روي عن أبي يوسف للتعامل فيه ) فإنه أجازه ، وهو أن يشتري من سقاء كذا كذا قربة من ماء النيل أو غير ذلك مثلا بهذه القربة وعينها جاز البيع ، ومقتضى القاعدة المذكورة أنه لا يجوز إذا عين هذه القربة ، والله أعلم ولكن بمقدارها .

والزنبيل بالفتح بلا تشديد وبالكسر مشدد الباء ويقال زنبيل أيضا ( قوله ولا في طعام قرية بعينها ) كحنطة بلدة الفهميين والمحلة ببلاد مصر ( أو ثمرة نخلة بعينها ) أو بستان بعينه ( لأنه قد يعتريه آفة فتنتفي قدرة التسليم ) قال المصنف ( وإليه أشار رسول الله [ ص: 89 ] صلى الله عليه وسلم بقوله { أرأيت لو ذهب ثمرة هذا البستان بم يستحل أحدكم مال أخيه } ) فإن معنى هذا أنه لا يستحق بهذا البيع ثمنا إن لم يخرج هذا البستان شيئا فكان في بيع ثمر هذا البستان غرر الانفساخ فلا يصح ، بخلاف ما إذا أسلم في حنطة صعيدية أو شامية فإن احتمال أن لا ينبت في الإقليم برمته شيء ضعيف فلا يبلغ الغرر المانع من الصحة فيجوز ، فهذا الحديث يفيد عدم صحة البيع سواء كان وروده في السلم أو في البيع مطلقا .

والواقع أن معناه ورد في السلم وفي البيع ، أما في السلم فما قدمناه من حديث أبي داود وابن ماجه في الذي أسلم في تلك الحديقة النخل فلم يطلع شيء فأراد المسلم إليه أن يمنعه الثمن الذي كان أخذه وقال إنما النخل هذه السنة ، حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { أخذ من نخلك شيئا ؟ قال لا ، قال ، بم تستحل ماله ؟ اردد عليه ما أخذت منه } الحديث .

وأما ما في مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟ } فيصدق على كل من السلم والبيع ، ويمكن أن يكون دليلا على أن هلاك المبيع يبطل البيع ويوجب رد الثمن فهو دليل هذه المسألة أيضا .

وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن لم يثمرها الله فبم يستحل أحدكم مال أخيه هذا ؟ } ( فلو كانت نسبة الثمرة إلى قرية ) معينة ( لبيان الصفة ) لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه ( كالخشمراني والبساخي ) ببخارى وهي قرية حنطتها جيدة ( بفرغانة لا بأس به ) ولأنه لا يراد خصوص النابت هناك ، بل الإقليم ، ولا يتوهم انقطاع الحنطة هناك لأنه إقليم ، وكذا إذا قال من حنطة هراة يريد هراة خراسان ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله ، فالسلم فيه وفي طعام العراق والشام سواء ، وكذا في ديار مصر في قمح الصعيد .

والذي في الخلاصة وذكر معناه في المجتبي وفي غيره : لو أسلم في حنطة بخارى أو حنطة سمرقند أو إسبيجاب لا يجوز لتوهم انقطاعه . ولو أسلم في حنطة هراة لا يجوز ، وفي ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز لأن حنطتها يتوهم انقطاعها إذ الإضافة لتخصيص البقعة فيحصل السلم في موهوم الانقطاع ، بخلاف إضافة الثوب لأنها لبيان الجنس والنوع لا لتخصيص المكان ، ولذا لو أتى المسلم إليه في ثوب هروي بثوب نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي : يعني من صفته ومؤنته يجبر رب السلم على قبوله ، فظهر أن المانع والمقتضي العرف ، فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز وإلا فلا يبينه ما في الخلاصة قال : لو كان ذكر النسبة لا لتعيين المكان كالخشمراني فإنه يذكر لبيان الجودة لا يفسد [ ص: 90 ] السلم ، وإن كان يتوهم انقطاع حنطة ذلك الموضع مثل الثوب جاز السلم وإلا لا ، أما السلم في الحنطة الصعيدية والعراقية والشامية فلا شك في جوازه .

وفي شرح الطحاوي : لو أسلم في حنطة حديثة قبل حدوثها فالسلم باطل لأنها منقطعة في الحال ، وكونها موجودة في وقت العقد إلى وقت المحل شرط لصحة السلم




الخدمات العلمية