الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 201 ] قال ( ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في المجلس ) وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله . وقال أبو يوسف رحمه الله آخرا : يجوز إذا بلغه أجاز ، ولم يشترط في بعض النسخ الإجازة ، والخلاف في الكفالة بالنفس والمال جميعا . له أنه تصرف التزام فيستبد به الملتزم ، وهذا وجه هذه الرواية عنه . ووجه التوقف ما ذكرناه في الفضولي [ ص: 202 ] في النكاح . ولهما أن فيه معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا والموجود شطره فلا يتوقف على ما وراء المجلس ( إلا في مسألة واحدة وهي أن يقول المريض لوارثه تكفل عني بما علي من الدين فكفل به مع غيبة الغرماء جاز ) لأن ذلك وصية في الحقيقة ولهذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم ، ولهذا قالوا : إنما تصح إذا كان له مال أو يقال إنه قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته وفيه نفع الطالب فصار كما إذا حضر بنفسه ، [ ص: 203 ] وإنما يصح بهذا اللفظ ، ولا يشترط القبول لأنه يراد به التحقيق دون المساومة ظاهرا في هذه الحالة فصار كالأمر بالنكاح ، ولو قال المريض ذلك لأجنبي اختلف المشايخ فيه .

التالي السابق


( قوله ولا تصح الكفالة إلا بقبول المكفول له في المجلس عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله . وقال أبو يوسف : يجوز إذا بلغه الخبر فأجاز ولم يشترط في بعض النسخ ) أي نسخ كفالة الأصل عن أبي يوسف ( الإجازة ) بل إنه نافذ إن كان المكفول له غائبا وهو الأظهر عنه .

والحاصل أن عنه روايتين ( والخلاف في الكفالة بالنفس والمال جميعا ) وجه رواية النفاذ ( أنه التزام فيستبد به الملتزم ) ولا يتعدى له ضرر في المكفول له لأن حكمه لا يوجب عليه شيئا لأنه مختار في المطالبة لا ملزوم ، فإن رأى مطالبته طالبه وإلا لا .

وأحال المصنف وجه التوقف على ما ذكره في الفضولي في النكاح وهو أن شطر العقد يتوقف حتى إذا عقد فضولي لامرأة على آخر توقف على الإجازة كما إذا كان عقدا تاما بأن خاطب عنه فضولي آخر وعندهما [ ص: 202 ] لا يتوقف إلا إن خاطبه فضولي آخر فلا يتوقف عندهما إلا العقد التام ( ولهما أن فيه معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا والموجود ) من الموجب وحده ( شطر العقد فلا يتوقف على ما وراء المجلس ) وهذا يقتضي أنه لو تم عقدا بقبول فضولي آخر توقف ، وقد صرح بذلك عندهما .

قالوا : إذا قبل عنه قابل توقف بالإجماع ، وحينئذ قوله في وضع المسألة لا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس غير صحيح ، بل الشرط أن يقبل في المجلس إن كان حاضرا فتنفذ ، أو يقبل عنه فضولي آخر إن كان غائبا فتتوقف إلى إجازته أو رد ، وقوله ( إلا في مسألة واحدة ) استثناء من قوله لا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس ، فإن هذه المسألة صحت من غير قبول في المجلس ولا قبول فضولي عنه ( وهي أن يقول المريض ) المديون ( لوارثه تكفل عني بما علي من الدين فكفل ) عنه ( به مع غيبة الغرماء ) فإنه يصح استحسانا فللغرماء مطالبته . وذكر للاستحسان وجهين : أحدهما : أن قوله تكفل عني وصية : أي فيه معنى الوصية ، إذ لو كانت حقيقة الوصية لم يفترق الحال بين حال الصحة والمرض في ذلك ، وقد ذكر في المبسوط أن ذلك لا يصح منه في حال الصحة ، وإذا كان بمعنى الوصية فكأنه إنما قال لهم اقضوا ديوني فقالوا نعم إذا قالوا تكفلنا بها ، فلذا قال المشايخ : إنما يتم ذلك إذا كان له مال ، فإن لم يكن له مال لا تؤخذ الورثة بديونه ، ولو كان حقيقة الكفالة لأخذوا بها حيث تكفلوا .

ثانيهما : ما ذكر في المبسوط والإيضاح أن حق الغرماء يتعلق بتركته في مرض موته لا بذمته لضعفها بمرض الموت ولذا امتنع تصرفه في ماله كيف شاء واختار ، فنزل نائبا عن الغرماء المكفول لهم عاملا لهم لما في ذلك من المصلحة له بتفريغ ذمته ، وفيه نفع للطالب المكفول له كما إذا حضر بنفسه .

فإن قيل : غاية الأمر أن يكون كالطالب حضر بنفسه فلا بد من قبوله فإن الصادر منه حينئذ قوله : تكفل ، ولو قال تكفل لي بما لي على فلان فقال كفلت لا يتم إلا أن يقول بعد ذلك قبلت أو نحوه ، كالبيع إذا قال بعني بكذا فقال بعت لا ينعقد حتى يقول الآمر قبلت . أجاب المصنف بقوله [ ص: 203 ] إنما لا يشترط القبول ) بعد قول الوارث تكفلت ( لأنه ) أي لأن قوله تكفلت ( لا يراد به المساومة ) وإنما احتيج في البيع كذلك لأنه يراد به المساومة وهنا لا يراد به إلا التحقيق بدلالة هذه الحالة ، فإن حالة الموت ظاهرة في الدلالة على قصده إلى تحقيق الكفالة لتخليص نفسه لا على المساومة بها ( فصار ) الأمر هنا ( كالأمر بالنكاح ) فيما لو قال زوجني بنتك فقال زوجتكها انعقد وإن لم يقل قبلت حيث كان النكاح لا تجري فيه المساومة ( ولو قال المريض ذلك لأجنبي ) فضمن ( اختلف المشايخ ) منهم من قال لا يجوز لأن الأجنبي غير مطالب بقضاء دينه بلا التزام فكان المريض في حق الأجنبي والصحيح سواء ، ولو قال ذلك لأجنبي أو لوارثه لا يصح إلا أن يقبل الطالب ، ومنهم من قال يصح من الأجنبي وينزل المريض منزلة الطالب لحاجته لتضييق الحال عليه كما ذكرنا في الوارث وهو أوجه ، وما في المبسوط من قوله وهذا من المريض صحيح وإن لم يبين الدين ولا صاحب الدين فإنه إنما يصح [ ص: 204 ] بطريق الوصية لورثته بأن يقضوا دينه ، والجهالة لا تمنع صحة الوصية مبني على غير الوجه الأرجح وهو أنها كفالة ، ولا حاجة إلى ذلك بل هي كفالة ، وجهالة المكفول به وهو الدين لا تضر في الكفالة ، وقد فرض أن المريض قائم مقام المكفول له وهو معين فلم يكن المكفول له مجهولا حكما لهذا الاعتبار .




الخدمات العلمية